المختطفات الإيزيديات.. بين اضطهاد إقليمي وتجاهل دولي

تشكّل قضية النساء الإيزيديات المختطفات من تنظيم داعش الوجه الأوضح للتطبيع مع استعباد النساء. فبعد مرور 9 سنوات على مجزرة سنجار واختطاف آلاف النساء والطفلات/الأطفال من المجتمع الإيزيدي، لم تُبذل جهود كافية لتحرير المختطفات أو معرفة مصيرهن.

عانت النساء الإيزيديات من التضامن الانتقائي. فمن جهةٍ، تعرّضن للتجاهل من المجتمعات والقوى السياسية والثورية في المنطقة الإسلامية والناطقة بالعربية. ومن جهةٍ أحرى، استغلّت الدول الأوروبية قضيتهنّ في غسيلٍ سياسي واضح لمساهمتها في انتشار العنف المسلّح وانتقاء القضايا حسب كاتلوج يخدمها.

للأسف، لم يحظَ استعباد الإيزيديات بإدانة المجتمعات الأقرب لهنّ. بل كان تصوّرها السائد أن نساء الآخر “الكافر” حِلٌّ لهم.

مجزرة سنجار 2014 ضد المجتمع الإيزيدي

عام 2014، غزت قوات تنظيم داعش قرية سنجار شمال العراق. تعرف سنجار بأنها موطن الإيزيديات/ن، وهنّ/م جماعة عرقية دينية تنتشر في أماكن متعددة من العالم. نظرًا لوجود المحجّ الرئيسي فيها، تشكل سنجار النسبة الأكبر بالعراق.

وتعتبر الإيزيدية من أقدم الديانات المشرقية، وأكثر ديانة تعرّضت تابعاتها/ تابعوها للإبادة والتهجير.

تعرّضت الإيزيديات/الإيزيديون طيلة حيواتهن/م للاضطهاد الديني والإثني. حسب ناشطات/ناشطين، هناك ما يقارب 74 مجزرة في تاريخ العراق، آخرها مجزرة سنجار 2014.

خلال مجزرة 2014 التي قامت بها قوات داعش، قتل أكثر من 5000 إيزيدي/ة. وتم اختطاف أكثر من 3000 آلاف امرأة وطفل/ة تحت اسم “السبي”. وتهجّر مجتمع كامل، مما أدى إلى دفع أكثر من 189 ألف إيزيدي/ة للعيش في مخيمات لجوء، بعد تدمير مدنهم.

بينما لا يزال مصير قرابة الـ 3000 امرأة وطفل/ة مجهولًا حتى اللحظة. وركزت الناشطات/ون الإيزيديات/ون على إطلاق حملات تطالب الحكومة العراقية بإنقاذهن/م من قبضة داعش.

لماذا يستمرّ تجاهل حملة أنقذن/وا الإيزيديات المختطفات؟

في أيار/مايو 2021، انطلقت حملة أنقذن/وا المختطفات الإيزيديات، للتذكير بمآسي النساء الإيزيديات، اللواتي تم بيعهن كـ “سبايا” في القرن الواحد والعشرين.

كان استهداف داعش للإيزيديات/ين يتحرّك من موقع معادٍ لهنّ/م كمجموعة دينية وعرقية. حيث استهدف التنظيم جبل سنجار وقتل كل الرجال الذين استطاع اعتقالهم، وسبى النساء والأطفال.

تأتي الحملة المستمرة حتى اليوم كمواجهة لتطبيع الإبادة ضد المجتمع الإيزيدي، ورفض التجاهل الذي قوبل به بيع النساء الإيزيديات على العلن كـ”سبايا”، وتجنيد الأطفال في صفوف تنظيم داعش.

قادت الناشطات/ون الإيزيديات/ون حملات إنقاذ واسعة، تحرّر على إثرها عددًا من النساء والأطفال من قبضة التنظيم، بعد مرور سنوات على اختطافهن/م.

لكنّ أعدادًا هائلة لا تزال مجهولة المصير، خصوصًا بعد أن فرّق التنظيم المختطفات/ين عن بعضهنّ/ م، عقب هزيمته عسكريًّا، ليبيعهنّ/م فيما بعد “رقيقًا” بين العراق وسوريا ودول أخرى.

إيزيديات.. بين التجاهل والصمود

وفي تصريح للناشطة الإيزيدية والناجية من داعش، ليلى تعلو، لموقع “العالم الجديد” تقول: “إنّ الحملة انتفاضة إنسانية لتحقيق العدالة، وللعمل على تحرير الإيزيديات من الرقّ و”العبودية”، وإنهاء معاناتهنّ في أسواق النخاسة، وبيعهن كسبايا”.

رغم أهمية الحملة بالنسبة للنساء والمجتمع الإيزيدي الذي ما يزال أغلبه يأمل عودة المختطفات، إلّا أن الجهات الرسمية في العراق ومختلف الدوائر السياسية والنسوية قد تجاهلت هذه الحملة وصمَّت آذانها عنها.

يعود التطبيع مع الانتهاكات على أساس إثني وجندري إلى هيمنة السردية التي تشيطن الآخر، وتلغي إنسانيته. ففي ذروة انتشار وسائل التواصل والتوثيق، شهد العالم على بيع واستعباد أعداد هائلة من النساء دون التحرّك لأجلهن.

في نهاية الأمر، تبقى النساء الإيزيديات صامدات. حيث يستخدمن كل الوسائل لإنقاذ أخواتهن، حتى مع معرفة أنهنّ سيعدن لقرى مدمرة، تفتقد كافّة الخدمات الصحية والاقتصادية التي يحتجنها للتعافي.

خلال قرون من سيطرة النظام الأبوي، كان لاستعباد النساء بشكلٍ رمزيّ وفعليّ، النصيب الأكبر من التشريعات والقوانين.

التطبيع مع استعباد النساء ليس جديدًا

إنّ اختطاف النساء الإيزيديات قضية لا يمكن رؤيتها بمعزلٍ عن التطبيع التاريخي لاستعباد النساء. فخلال قرون من سيطرة النظام الأبوي، كان لاستعباد النساء بشكلٍ رمزيّ وفعليّ، النصيب الأكبر من التشريعات والقوانين.

وكان الدين أحد أهم روافد الأبوية لشرعنة هذا الاستبعاد. سواءً كان ذلك من خلال أسواق العبودية التي سمّوها “ملك اليمين”، أو من خلال المعتقدات والقوانين التي قدّمت النساء مع صكّ ملكية لرجال العائلة والمجتمع.

ومنذ قرونٍ بعيدةٍ، ارتبط الغزو العسكري بالعنف الجنسي، والاستعباد الذي أولى ضحاياه وحتى اليوم، النساء والأطفال. يتكرر هذا المشهد في كلّ الحروب والاحتلالات، تارةً باسم الدين، وأخرى باسم القومية، وأحيانًا باسم الإنقاذ والحضارة.

لكنّ المؤلم، هو استمرار هذه الانتهاكات في وقتٍ كان يصرّح فيه – كذبًا – أن الاستبعاد المباشر للبشر هو جريمة يتفق الجميع على الوقوف ضدها. بينما يتضح أن هذه الجريمة لا تعتبر انتهاكًا عندما تتم ممارستها ضد النساء أو السود أو الأقليات الدينية.

مختطفات.. للبيع!

لم نشهد أيّ تحرّك فعليّ ضد استعباد النساء الإيزيديات، وبيعهنّ كرقيقٍ جنسي بين جنود داعش. فحتى الخطابات التي تبرّأت من داعش، لم تذكر أبدًا أيّة إدانة لهذه الجرائم التي دمرّت حيوات آلاف النساء والأطفال.

هنالك محاولات مستمرة، لتطبيع الاستعباد الجنسي ضد نساء المجموعات المضطهدة. فمرة نشاهد مقاطعًا على الإنترنت تعرض الضحايا وأسعارهنّ كأنهن أشياء. وأخرى، نرى التفاعل مع نكات الاستعباد والعنف الجنسي، بشكلٍ شبه يومي على وسائل التواصل، وكأنها شيء عادي.

وما تزال عقلية “سبي” النساء منتشرة، وتعتبرهن “غنائم للحرب” لإثبات تفوّق ونصر الطرف المسيطر. كما أن التطبيع معها موجود، في النكتة والوعي الجمعي. ويرجع ذلك إلى قيم النظام الأبوي التي تمارس السلطة على مصير النساء، وتحولهن لملكية خاصة، بيد الرجال والمجتمع والأنظمة السياسية والدينية.

وإلى أن يتمّ تفكيك هذه الأنظمة وقيمها، سنظل، للأسف، نشهد مآسي اختطاف النساء واستبعادهن وبيعهن، واعتبار أجسادهن ساحة للحرب والانتقام.

لا ملل من المطالبة بالعدالة للإيزيديات

رغم التجاهل المتعمّد لمأساة النساء الإيزيديات المختطفات، وتسيّد التضامن الانتقائي عليها، أو تجاهلها واستغلالها في الغسيل السياسي، فإنّ الناجيات من هذا الانتهاك العنيف لم يتخلين عن أخواتهن اللواتي ما يزلن في قبضة النخّاسين. بل رفعن قضية إنقاذهن عبر العالم، واستخدمن جميع الوسائل لإيصال أصواتهن. رفضن ونددن بالعنف الجسدي والنفسي والجنسي الذي طالهن، والإبادة التي تعرّض لها مجتمعهن.

ومن خلال التدوين المستمر منذ 2015 على وسم #انقذوا_الإيزيديات_المختطفات، تستمر الناشطات الإيزيديات في النضال لاسترجاع أخواتهن وتحقيق العدالة لهن.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد