الاعتداء على مسيرة الحريات في ساحة الحرية.. ابحثوا عن محرضي “الواتساب”!

لم تكد المنظمات والجمعيات الحقوقية والمؤسسات الإعلامية تطلق دعوتها لمسيرة المطالبة بالحريات، حتى تربّصت بها غرف الغربان السوداء في لبنان.

سرعان ما تمّ التحضير لتحركاتٍ تهدف إلى إفشال المسيرة، عبر الدعوة إلى تظاهرة مقابلة.

التحريض والتجييش عبر واتساب

ما يثير الشبهة هو تضليل مجموعات “الواتساب” الحزبية، عبر ربط منشور الدعوة إلى “مسيرة الحريات” بمنشورٍ مفبرك يتهم الجامعة الأميريكية في بيروت بالترويج للمثلية و”التشجيع على الشذوذ استغلالًا للفقر والعوز”!

لقطة من إحدى المجموعة الحزبية تربط بين منشور مسيرة الحريات ومنشور يتّهم الجامعة الأميركية في بيروت باستغلال عوز اللبنانيات/ين

وبما أنه لا رابط حقيقي بين المنشورين، اتضح أن الهدف من هذه الحملة هو استنفار العصابات الهوموفوبية، المتلطية خلف رداء التديّن، للوقوف في وجه المجموعات والأفراد المطالبات/ين بالحريات.

علمًا أن لا شيء في منشور الدعوة إلى “مسيرة الحريّات” يشير إلى أن هذه المسيرة مخصصة لدعم أي فئة بعينها. ولا تعدو كونها دعوة للحريات العامة بعد سلسلة انتهاكاتٍ بدأت بملاحقة أفراد وصحافيات/ين بسبب التعبير عن آرائهن/م، ولم تنته بارتفاع وتيرة جرائم الاغتصاب وقتل النساء.

 

View this post on Instagram

 

A post shared by FEMALE (@femalecomms)

هنا يتجلى وجه السلطة وأذرعها الحزبية الحاضرة لقمع الحريات -أيًّا كان نوعها- مستعينة بأسرع وسائل استنهاض جماهيرها. إذ استحضرت نداء “يا غيرة الدين”، وهي ملء الثقة بهذا الجمهور المغيّب غير القادر على التمييز بين الحقيقي والمزيف.

جمهورٌ غير مستعد للتدقيق في وجه الصلة بين منشور يدعو للتصدي لـ”قمع الحريات والتوقف عن ملاحقة الناشطات/ين والحقوقيات/ين والصحافيات/ين والأساتذة وغيرهن/م، عملًا بأحكام الدستور اللبناني والمعاهدات الدولية”، وبين آخر لصفحة وقائع التابعة لجهة حزبية تنشر خبرًا مفبركًا، عادت وحذفته فور الاستيفاء من هدفه.

وبهذا الأسلوب المغرض، جرى تناقل الخبر كالنار في الهشيم على المجموعات الواتسابية المنظمة جيدًا. “احذروا إنهم يجتاحونكم! جماعة الشذوذ يطالبون بالحرية. عليكم بالتصدي لهم!”.

كما تناقلت الخبر المفبرك مجموعات خاصة بفئات مختلفة من المجتمع اللبناني: مجموعات صيادلة وأساتذة ومتقاعدات/ين ومهندسات/ين وحتى مجموعات البنايات.

وما يدعو حقًّا للتأمل هو تلازم مفردة “الحرية” لدى هؤلاء مع متلازمة الرهاب. فبات ذكر الحرية لديهم يستدعي تأهبًا للقتال، حتى قبل معرفة الإطار الذي تستخدم فيه. مخيف هذا التطبيع مع ثقافة القمع!

إنه ولا شك دركٌ لم تبلغه المجتمعات اللبنانية حتى أيام أشد أنظمة الحكم استبدادًا.

الاعتداء على رئيسة تحرير “شريكة ولكن” الصحافية حياة مرشاد

كان كل هذا التحريض يُنبئ بما سيحصل في اليوم التالي، يوم السبت 30 أيلول/ سبتمبر المحدد لـ”مسيرة الحريات”.

فعلى مرأى القوى الأمنية قامت هذه المجموعات التي عُمل على تعبئتها قبل أيام من التحرك بالاعتداء على التجمع ومنع المعتصمات/ين من البدء بمسيرتهن/م المرخّصة نحو وزارة الداخلية.

وقد تعرّض التجمّع للضرب والشتائم ورمي الحجارة. ومن بينهن/م رئيسة تحرير منصة شريكة ولكن الصحافية حياة مرشاد التي تعرّضت للاعتداء المباشر بالضرب والشتم على يد أحد المعتدين، وكان من بين الجهات المشاركة بالاعتداء جنود الفيحاء وسواهم ممن تعرفهم الجهات الأمنية.


لا شك في أن مجموعات أحزاب السلطة هذه نجحت، كما كل مرة، في “القوطبة” على أي تظاهرة سلمية واعتراضها قبل توسعها وامتدادها. لكن أساليبهم باتت مكشوفة للجميع.

إن منصة شريكة ولكن تضع الأمر برسم المعنيين وتعتبره إخبارًا للأجهزة المختصة.

إذ لم يعد من الجائز تمادي هذه الفئات واستغباءهم للرأي العام بحجة أن من قام بالتعدي “انفعل دفاعًا عن دينه”. كما لم يعد من المقبول وقوف الدولة بكامل أجهزتها القضائية والأمنية موقف المتفرج أمام هذه الانتهاكات بحق كل من يطالب بحرية الرأي والتعبير.

إن لم تكن حرية التعبير مصانة، فأي الحريات تعتبر أكثر قداسة؟

إنه لخبرٌ مؤسف أن يحصل ما حصل في بيروت، مدينة الحريات وفي ساحة الشهداء، ساحة الحريات، وأن يتم الاعتداء على مسيرة تدعو لدعم الحريات ووقف القمع والفساد والقتل.

كما أن انضمام أي فئة لهذا التحرك تحت سقف المطالبة بالحرية لا يعطي أي مبرر للاعتداء على مظاهرة سلمية استحصلت على ترخيص وزارة الداخلية المسؤولة عن تأمين الحماية للمتظاهرات/ين.

هذا ما يدفع للسؤال: إذا لم تكن حرية التعبير مصانة في هذا الوطن فأي الحريات تعتبر أكثر قداسة؟

في حين أصبحن نتعايش مع تطبيعٍ مع صنوف جديدة من “الحريات”: حرية إطلاق النار وحرية الشتم وحرية الضرب وحرية البلطجة وحرية التخوين وحرية التكفير وحرية القتل وحتى حرية تدمير بلد بأكمله.

أجل، إنها أنواع جديدة من “الحريات” ألفناها في هذا الوطن الذي انقلبت مفاهيمه وأولوياته رأسًا على عقب.

فحبذا لو أن هؤلاء الذين وضعوا نصب اهتمامهم ذلك الجزء من الجسد البشري، يمنحون طرف أعينهم أجزاء أخرى من هذا الجسد. علّهم يمرون على أمعاء خاوية وقلوب دامية وعيون باكية ونفوس محطمة وكرامات مدعوسة…

في بلدٍ غارق بالأزمات، بات/ت المواطنات/ون لا يملكن/ون سوى كلمتهن/م الحرة. ويبدو أن هناك مخططًا لسلبهن/م آخر ما يملكن/ون: الصوت والحرية والحلم بالتغيير.

 

هذا المقال وصلنا من صحافية لبنانية فضّلت عدم الكشف عن اسمها حرصًا على سلامتها، في ظلّ تفلّت عصابات الكراهية والتحريض والتضييق على الحريّات.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد