أصحاب ولا أعز .. عندما يكون الكلوت هو الأهم.. لا للدانتيل!

  • كيف حال البشر الآن يا أمير؟ أذكر أنهم كانوا أشراراً.
  • إنهم هكذا دائماً. ولكن غباءهم لا يزال ممتعاً.

ألبير قصيري – العنف والسخرية

 

معظمنا شاهدوا/ن الفيلم العربي “أصحاب ولا أعز” الذي أطلقته منصة نتفليكس كنسخة مُعربّة من الفيلم العالمي (Perfect Strangers). ومعظمنا تابع عن كثب ردود أفعال المجتمعات العربية وثورتهم/ن الغاضبة تجاه الفيلم بسبب مشاهد اعتبرها الجمهور “غير لائقة”.

انقسم الجمهور بين قلة مُندسة ودخيلة على العالم العربي تعتبر الفيلم عادياً، وغالبية تعتبره تهديداً للـ”قيم العربية”. وبما أننا في موقع (شريكة ولكن) من القلة المندسة الدخيلة، قررنا الاشتباك مع الغالبية بطريقتنا الساخرة والناقمة على هذه القيم.

قررنا ألا نتعب قلوبنا في التفسير والتحليل لسببٍ بسيط: لو يقرأ هؤلاء نشرة أخبار العنف اليومية على مدار الساعة على موقعنا، لما كان هذا موقفهم من الفيلم. لذلك، لن نأخذهم على محمل الجد؛ كما لا يأخذون مصابنا اليومي كنساءٍ عربيات على محمل الجد أيضاً.

“المهم يعني إحنا قررنا نتّريق عليهم علشان إحنا بصراحة زهقانين أوي النهاردة”.

أنا ربُكم الأعلى

تخيلي نفسكِ رجُل عربي مُغاير الجنس من طبقة متوسطة وينتمي إلى الغالبية الدينية المحافظة في مجتمعه. تخيلي أنكِ تُشاهدين فيلماً على منصةٍ خاصة وتدفعين اشتراكاً شهرياً لتُشاهدي عليها قائمة أفلامٍ ومسلسلاتٍ غير عربية تتضمن مشاهد جنسية ومثلية وكحول و”زنا محارم” وخطف واغتصاب.

تخيلي أنكِ بمشاهدتك لهذا المحتوى تجعلين التريند في بلدك على منصة نتفليكس عبارة عن قائمة أفلام مليئة بهذه الأشياء التي من المفترض أنكِ ضدها.

والآن لديكِ عدة أسئلة، وعن كل إجابة صحيحة أعطِ نفسك نُقطة. واحتفظي بهذه النقطة لنهاية المقال. يلا بينا؟

1- هل هناك شخص متدين يدعم الاغتصاب؟ أوبس! آسفة هذا المثال خاطئ. فرجال الدين أنفسهم في مجتمعاتنا العربية والقوانين، تدعم الاغتصاب الزوجي. أوكي. مثال آخر.

2- هل هناك شخص عاقل يُشاهد مسلسل “النُخبة” Elite ويُعجب بعلاقةٍ جنسيةٍ بين أخٍ وأخته؟ ياربي! الأمثلة صعبة أوي مع تزايد وتيرة الاعتداء الجنسي من محارم الأسرة على النساء في العائلات العربية.

3- هل هناك شخص سوي يدعم السادية والمازوشية ويُشاهد فيلماً مثل (50 shades of grey)، أو فيلم (365 Days) يعيش بيننا؟

إياكِ أن تتفحصي طلبات الرسائل الآن! ستُفسدين مثالي الثالث. مَن يُرسل لكِ يطلب أن يكون “خادمك وكلبك المطيع”؟ لا بد أنه رجل عربي من جنسيتك ومن جنسياتٍ أخرى، يتمنى لو أنكِ مولاته وملكته، أو يتخيل نفسه سجّانك الذي يغتصبك يومياً. يا دي النيلة. مفيش مثال عدل ولا إيه؟! آه افتكرت.

4- هل هناك مثال لشخص يُحب مشاهدة أفلام بالغين (porn) بين أشخاص من الجنس نفسه؟ نعم نعم، نفس الشخص هو الرجل المغاير المتدين المحافظ الذي بدأت كلامي بالحديث عنه وعن قيمه الجميلة.

هذا الشخص يُشاهد امرأتين تُمارسان الجنس، ويتخيل لو أنه ثالثهما. يبني فانتازيته الجنسية على اعتبار المثلية الجنسية بين النساء، فهو أمر مُثير له كرجل مغاير. أما المثلية الجنسية بين الرجال، فتُثير في نفسه “القرف” وفجأة يتذكر “قوم لوط” والذي منه.

تخيلتي نفسك هذا الرجُل؟ هيا بنا نأخذك في رحلة داخل خياله واستحقاقه وذكوريته المنحطة.

مجتمعاتنا لا تشرب الكحووووول

هكذا يصيح أخينا على الإنترنت منذ عرض الفيلم. ويبدو أنه يصب غضبه في المكان “لا مؤاخذة” الغلط. هو يعتقد أن الكحول مضر، أو حرام، أو أياً كان، فلا يشربه. حقه. لكن تصويره للمجتمع العربي على أنه خالٍ من الكحول لأنه يتصوّر أن كل الناس تمتثل لمعاييره الشخصية نفسها، فهذا هو الغريب.

يبدو أن هذا الرجل لديه مطلب من حكومة بلده التي تسمح ببيع وشراء الخمور وتُعطي التراخيص للملاهي الليلية لتقديمه. يبدو لي أنه يتمنى مجتمعه خالياً من الكحول. مرة ثانية: حقه! لذلك، نُشجعه على التظاهر في بلده ضد الكحول. وإن تم القبض عليه، فهذه ليست مسؤوليتنا. تلك مسؤوليته الشخصية ومسؤولية حكومته التي تُجرم التظاهر أصلاً.

أخونا الجميل بحاجة إلى معرفة من يضع التصور الحقيقي لبلده. ليس أنت يا مسكين. ولا حتى نحن. إنها الحكومة. تظاهر ضد تراخيص الكحول بقى مش الفيلم يا حمادة، ومتقرفناش. 

“لكل قاعدة لا مؤاخذة شواذ”

لو كنتِ هذا الرجل الجبان، هل كنتِ ستؤمنين بالمقولة الشهيرة: لكل قاعدة شواذ؟ هل سمعتِ يوماً عن قاعدة شعرت بالتهديد لأن هناك ما يشذّ عنها؟ إذاً كيف يُعقل أن يشعر هذا الرجل المغاير بالتهديد لأن هناك من يعتقد أن ميلهم/ن الجنسي “شذوذ” عن قاعدة المعيارية الغيرية التي ينتمي إليها؟ ما الذي يُهدده بالظبط لو أن أحداً لم يلمس طي*ه بالغصب؟

يعتقد هذا الشخص أن الفيلم يروّج للمثلية الجنسية، ويُهاجمه من منطلق أن المجتمعات العربية لا يوجد فيها مثليون ومثليات. لو لم تكُن المثلية الجنسية مُجرمة في البلدان العربية، لنصحناه بالتظاهر أيضاً. لكنه لو تظاهر ضد المثلية، لضحكت على هبله الحكومة نفسها. أي ترويج للمثلية هذا الذي يتحدث عنه لو أن شخصية الرجل المثلي في الفيلم تعيش في الخفاء وغير قادرة على الإعلان عن نفسها؟ لو أن خيانة رجلٍ لزوجته مع امرأة أهون من خيانته لها مع رجل، وليس مبدأ الخيانة نفسه؟ لو أن صديقه الأنتيم صرخ في وجهه بمنتهى الاشمئزاز لأن ميله الجنسي مختلف؟

التطبيع مع المثلية الجنسية في المجتمعات العربية يحتاج عقوداً. ولا تخافوا يا معشر الغيريين والغيريات، فأولى خطوات التطبيع الحقيقي هي أن تكفل دساتيرنا وقوانينا حق الميل الجنسي للمواطنين/ات. وطالما أن الحكومة تدعم قاعدتك المغايرة، ولم يلمسها أحد رغماً عنك، فأنت في أمان.

سيبوا المثليات والمثليين في حالهن/م، ده إنتوا معترضتوش ربع الاعتراض دة لما الإمارات طبّعت رسمياً مع جيش الاحتلال الإسرائيلي!.

قيم الأسرة العربية العنيفة الأبوية المؤذية

وصل أمر الهجوم على الفيلم حد تقدّم محامي مصري ببلاغ إلى النيابة العامة ضد المنتج محمد حفظي، يتهمه فيه بالـ”سعي إلى هدم قيم الأسرة المصرية وتهديد الأمن القومي”. هذا المحامي النموذج لن نحتاج معه لتخيّل أننا رجل عربي مغاير محافظ هش من جوّا ومقرمش من برّا، لأنه هو نفسه كذلك.

ومع أي شيء يُثير القلق على الإنترنت، يتقدم هو وغيره ببلاغات أن س أو ص يُهدد قيم الأسرة، اللي أقسم بالله العظيم ماحدش يعرف هي إيه بالظبط لحد النهاردة.

هل قيم الأسرة هي العنف مع النساء؟ هل هي أخ يقتل أخته حرقاً وتنقذه الأم من الإعدام؟ هي رجل يأجر لزوجته رجُلاً آخر ليغتصبها ويصورها بهدف ابتزازها، فتُقتل؟ هي فتاة صغيرة انتحرت لأن ابن عمّها يبتزها؟ ما هي القيم بالظبط؟ وما هي الأسرة أيضاً؟ هل الأب الذي يدعم حق ابنته في جسمها لا يستحق تكوين أسرة؟

نتفق أن المشهد لا يُمثل قيم الأسرة المصرية التي تجعل من الرجال جنوداً عنيفين على أتم الاستعداد للقتل والاغتصاب والاعتداء الجنسي والتفنُن في إذلال النساء.

السؤال الآن: هل قدّم لنا الفيلم نموذج الأب الذي نحلم به كنساءٍ عربيات؟ أم أنه أساء إلى الواقع العربي العنيف الذي نعيشه هنا؟ هل يوجد رجل عربي يؤمن بحرية ابنته في جسمها يا جماعة؟ إن تواجد هذا الرجُل، يجب أن نُشيّد له مقاماً ونطوف حوله كل يوم مُتمنيات أن يحل ببركته على رجال عائلاتنا. ياكش يتعدلوا.

من قلبي سلام لبيروت – ونسوان بيروت

لو تخيّلنا بطل المقال التخيلي رجُل مصري، فنحنُ في أزمة حقيقية. الرجل المصري لا يتوانى عن التشييء الجنسي (Sexual Objectification) للنساء اللبنانيّات. وتسود فكرة عامة ونمطيّة في كل البلدان العربية عن اللبنانيات، لا تخلو أبداً من جنسنة أجسامهن مهما كان السياق. ولدينا في الصور الذي تداولها الرجال العرب للمتظاهرات اللبنانيات عبرة ومثال.

انعكست تلك الفكرة على غضب الرجال المصريين من الفنانة منى زكي لأنها خلعت الكلوت (اللي هو مشهد تمثييييل)، بينما لم يغضبوا مثلاً من علاقةٍ جنسيةٍ بين صديق وزوجة صديقه اللبنانية، أو حمل امرأة لبنانية من دون زواج، أو فتاة لبنانية بالكاد تبلغ 18 عاماً ستُمارس الجنس بموافقة والدها.

كل ذلك يستدعي الغضب الذكوري أكثر من مشهد الكلوت بكثير. لكنها القومية يا أوختي. بين العروبة المزعومة للشعوب العربية التي “فشخت بعضها” حروباً من سنين وحتى الآن تُشارك دول كُبرى في قصف اليمن، وبين الحس القومي الذكوري للمصريين، وقعت الواقعة. انكشف الستار يا حلوين.

منى زكي بتاعتنا. نادين لبكي ونيكول السكرتيرة الحامل وابنة جورج خبّاز، مش بتوعنا. العروبة الجميلة فقدت معناها مع أول اختبارٍ قومي أبوي، يضع الرجال المصريين فيه الصورة النمطية للنساء اللبنانيات جنباً إلى جنب مع الصورة النمطية للمصريات. قرفونا والله.

 

دانتيل يا منى؟!

دعكِ من الرجُل التخيلي الآن، فهو راقد في سلام العنف كمئات الملايين غيره في الدول العربية. فلنعد إلى واقعنا العربي كنساء. لدي الآن سؤال: هل ترتدين كلوت دانتيل؟ لقد كانت تلك سقطة الفيلم الوحيدة في رأيي. فالنساء العربيات مُعتادات على الكلوت القطن. وأي محاولة لتغريب الكلوت النسائي العربي، سنقاومها بكل ما أوتينا من قوة.

أسمعكِ يا فُلانة تقولين: “أنا أرتدي سوتيان وكلوت دانتيل، ومن نفس اللون”. أتمنى من ربنا يهديكي من الكفر والإلحاد دة، وترجعي للكلوت القطن.

فنحن تربينا كنساءٍ عربيات أن الكلوت الدانتيل للنساء المتزوجات. وحتى هؤلاء، يلبسنه في سياقاتٍ جنسيةٍ فقط، مش هيصة هيّ. الكلوت الدانتيل يُسبب التسلخات، وغير عملي، ولا حتى مُريح. أما الكلوت القطن؟ يا سلام على الكلوت القطن. يحتويكي ويحتوي البوبو اللي ملهاش ذنب في إن الرجال مُتخيلين إن عبء ارتداء ملابس مُثيرة جنسياً يقع على بوبوهات النساء وحدهن. وتدفع البوبو الغلبانة الثمن من صحتها. حزنتُ جداً لأن مشهد الكلوت غير واقعي. وأتمنى في المشاهد المقبلة أن تقدم لنا الفنانة منى زكي نموذجاً للكلوت العربي الذي يحمي من التسلخات.

الآن، كم نقطة لديكِ من الأسئلة الواردة في المقال؟ إجمعيها واحتفظي بها وافعلي كل ما في وسعِك لتحوليها إلى نقود تشترين بها كلوتات قطن مُريحة. لأن الأهم من كل الحزق الذكوري اللي شغال على الإنترنت بسبب الفيلم دة، إنك متلبسيش كلوت دانتيل.

ولو الرجالة عاوزين حاجة سيكسي أكتر من الكس (كلمة عربية فصحى بالمناسبة)، وعاوزين يزوقوه، دول ميبقوش محتاجين كلوت دانتيل يا أمي. دول إما محتاجين فياغرا أو محتاجين يعرفوا إنهم مثليين جنسياً وبيحبوا الرجالة.

 

هذا العالم الذي نعيش فيه تحكمه عصبة من الأنذال التي لطّخت الأرض […]. لا يجب أن نأخذ الأمر على محمل الجد، لأن هذا ما يرغبون به. – ألبير قصيري – العنف والسخرية.

 

كتابة: غدير أحمد

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد