التحرش الجنسي في المواصلات العامة.. مصريات يروين تجاربهن

تعد وسائل المواصلات العامة، كمترو الأنفاق و الميكروباص، الأكثر استخدامًا في مصر، وأكثر الوسائل التي تتعرض فيها النساء للتحرش الجنسي.

نساء كثيرات يخشين الذهاب إلى أماكن العمل أو المؤسسات التعليمية، كيلا يتعرضن للتحرش الجنسي بأشكاله المختلفة.

وفقًا لاستطلاع رأي أجرته رويترز شمل 19 دولة، احتلت مصر المرتبة الأولى لمعدلات التحرش في المنطقة. فيما صنفت القاهرة كأخطر ثالث مدينة من حيث العنف الجنسي. وكشفت دراسة حديثة أجراها مركز تدوين لدراسات النوع الاجتماعي بعنوان “العنف الجنسي في مصر”، أن وسائل المواصلات من أكثر الأماكن التي تتعرض فيها النساء للتحرش الجنسي بنسبة 96%.

بعد مطالبات من منظمات نسوية في مصر بتعديل قانون التحرش الجنسي، أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2021 تعديلات على قانون العقوبات لتغليظ  عقوبة التحرش الجنسي إلّا أن هذه التعديلات لم تحدّ من نسبة الجريمة.

*تحذير: محتوى قد يتسبب في تحفيز مشاعر مؤلمة مع تجارب العنف الجنسي.*

التحرش في المواصلات العامة كحدث متكرر

شيماء أحمد (اسم مستعار)، 27 عامًا، صيدلانية.

“كنت أستقل سيارة ميكروباص من منطقة إمبابة بمحافظة الجيزة متجهة إلى عملي في الصيدلية. لم أجد أمامي إلا المقعد الخلفي في سيارة النقل الجماعي (الميكروباص). ثم، ركب بجواري رجل في الخمسينيات من عمره، و كانت المفاجأة. فتح هذا الرجل هاتفه ووضعه أمامي على موقع أفلام للبالغين.

هذا الموقف كان كفيلًا لأبكي عدة أيام من صعوبة الموقف على نفسي، ما دفعني لملازمة المنزل. خشيتُ تكرار الموقف، وخشيتُ لومي المتكرر لذاتي، لعدم فضحه أمام الناس”.

لم يمر الموقف مرور الكرام على شيماء، التي باتت ترهب استقلال وسيلة مواصلات عامة بجوار أي رجل. حكاية شيماء ليست استثناءً، فكثيرًا ما تتعرض النساء لمواقف مشابهة. حيث أبلغت فتيات جهات الأمن المصرية عن قيام رجال بفتح سحّابات ملابسهم و إبراز أعضائهم الجنسية داخل عربات المترو أو الميكروباص.

لم ينسَ الشارع المصري واقعة طالبة محافظة الشرقية التي اتهمت طبيبًا بارتكاب “فعل فاضح” داخل ميكروباص في تشرين الثاني/ نوفمبر (2020). و هي اللغة القانونية لوصف هذه الوقائع في قانون العقوبات المصري، حيث قام بالاستمناء و القذف على ملابسها. حينها حاول الطبيب إنكار فعلته بأنه قد نسيَ سحاب البنطال مفتوحًا، بينما كان نائمًا من الإرهاق في عمله.

“أحيانًا ما تتعرض الضحية/الناجية للهجوم حال اعترضت على الجريمة. بينما نجد الكثير من المتعاطفين مع الجناة”. 

سهام محمد (اسم مستعار) 28 عامًا، صحافية

“قبل 6 سنوات تقريبًا، كنت أستقل سيارة ميكروباص في طريقي لمهمة عمل صحفية بمحافظة الدقهلية. فجأة شعرتُ بحركة غير طبيعية في المقعد الخلفي، بينما تحاول يدٌ الإمساك بملابسي. نظرت لأرى ماذا يحدث. فإذا برجلٍ يلصق عضوه الجنسي في المقعد، وينظر لي نظرة مريبة، بينما يُحركه كأنّه في خضم فعل جنسي.

لم أتمالك نفسي إلا وأنا أصرخ مرددة: “أنت بتعمل إيه يا حيوان يا قذر؟ بعدما فضحته أمام الراكبات/الركاب، اتهمني بالجنون و الافتراء عليه كذبًا. لكنّ الركّاب دعموني وصرخن/وا في وجهه وقاموا بإنزاله من السيارة، لم أستطع محو هذا الموقف المرعب والمقزز من ذاكرتي رغم مرور السنوات. بتُّ أحرص في كل وسيلة مواصلات على وضع حقيبتي بيني وبين أي رجل، أو حجز مقعدين. كما أتعمّد الجلوس في مقاعد منفصلة غير مزدوجة، كي لا أتعرض مجددًا لموقف مشابه”.

أسماء أحمد (اسم مستعار)، 30 عامًا

“الخوف تملّك مني عندما وجدته يحاول لمسي من الخلف خلال استقلالي ميكروباص بمحافظة القاهرة. حينها رأيتُ هذا الشاب، وانتقلتُ لمقعدٍ آخر. فإذا به ينفث في وجهي، ويصفع نافذة الميكروباص. خِفتُ على نفسي من تطور الأمر لاعتداء جسدي عليّ، ونزلت بسرعة.

تمنيتُ أن يكون رد فعلي أقوى من ذلك. للأسف رغم مرور سنوات على الواقعة لم أنسَها، و لازال لدي رهبة من الرجال. أتمنى أن يتم تخصيص عربات ميكروباص للنساء فقط كما في عربات المترو “.

حملات للتوعية بالتحرش الجنسي

أطلقت هادية عبد الفتاح، ناشطة نسوية مصرية، عام 2016 مبادرة: “مش هنسكت على التحرش”. هدفت الحملة إلى مساندة النساء والفتيات ودعمهن في مواجهة العنف الجنسي، وسط غياب آليات الحماية القانونية والمجتمعية. كما حرصت على التوعية بمخاطر التحرش الجنسي، حيث نظّمت “ماراثونات جري و عجل و مباريات كرة قدم”.

في تصريحها لـ”شريكة ولكن”، قالت هادية عبد الفتاح: “لم أكتفِ بإشراك النساء فحسب. بل أشركت الرجال أيضًا. وذلك ليتعرّفوا على التأثير السلبي للعنف الجنسي على النساء، وعلى المجتمع بأكمله”.

هذا النوع من الجرائم له أبعاد ثقافية و إجتماعية. لذا، نحن بحاجة إلى تغيير ثقافة استباحة الرجال أجساد النساء.

واستطردت: “نظمتُ مبادرة بعنوان: “فستان زمان و الشارع كان أمان”، لأثبت للمجتمع أن التحرش الجنسي لا يتعلق بملابس النساء. كما نظمت العديد من الورش و عرضت أفلام إيرانية و تونسية تناولت قصصًا حقيقية لضحايا/ناجيات من العنف الجنسي. شارك معنا في العروض كاتبات/كتّاب وفنانات/ين، لمناقشة الأفلام المعروضة وقوانين التحرش الجنسي وللحديث عن مخاطره”.

إلى جانب تنظيم “ورش توعوية وندوات في مختلف الأماكن”، مشيرة إلى “زيادة جرائم التحرش في المواصلات العامة لعدم تفعيل القوانين”.

وتابعت: “أحيانًا ما تتعرض الضحية/الناجية للهجوم حال اعترضت على الجريمة. بينما نجد الكثير من المتعاطفين مع الجناة”. 

من ناحيتها، اعتبرت الدكتورة سامية خضر صالح، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، في حديثها مع “شريكة ولكن”، أن “الطبقية، وعلى الرغم من إشكالياتها المعروفة، لعبت دورًا نسبيًا في تخويف المتحرشين من ردة فعل النساء وأسرهن”.

كما انتقدت “دور وسائل الإعلام والدراما التي تشكّل جزءًا لا بأس به من الثقافة العامة وقبول العنف ضد النساء”.

استباحة أجساد النساء

من جانبها رأت منى عزت المديرة التنفيذية لمؤسسة “النون لرعاية الأسرة”، أن التحرش الجنسي بالنساء في وسائل النقل في مصر “ما هو إلا نتاج التواطؤ الحاصل في المجتمع. خصوصًا استباحة الرجال أجساد النساء، دون أن يكون هناك موقف اجتماعي رادع تجاه جرائم التحرش”.

وأرجعت ذلك إلى “الثقافة الذكورية التي تربينا عليها، حيث يحمّل المجتمع  النساء مسؤولية تعرضهن لأي شكل من أشكال العنف”.

وأضافت منى عزت أن “التحرش ليس مقتصرًا على وسائل المواصلات، بل يحدث في أماكن مختلفة كالعمل والشارع والمنزل”.

واستطردت في حديثها لـ”شريكة ولكن” قائلةً إنه “للأسف قبل سنوات، لم نمتلك الوسائل لكشف ما يحدث من عنف ضد النساء. إلى جانب خوف أو تردد الضحايا/الناجيات عن البوح، خشية اللوم أو الوقوع في مشاكل أكبر، رغم وجود قانون يمكنهن اللجوء إليه”. مشيرة إلى “تغير الوضع إلى حد ما خلال الـ20 سنة الأخيرة. إذ بدأ ينتشر الحديث النسوي عن العنف ضد النساء في وسائل المواصلات أو الشارع، وصولاً إلى تعديل مقارعة التشريعات والآليات للتعامل مع تلك الاعتداءات”.

ورأت منى عزت أننا “بحاجة إلى وجود سياسات وتشريعات لتوفير الأمان داخل وسائل المواصلات خلال الفترة المقبلة. واقترحت العمل على  تعميم العربات المستقلة الخاصة بالنساء في باقي وسائل النقل، أسوةً بمترو الأنفاق. وكذلك، التفتيش المستمر من الجهات المختصة على تلك العربات، وبصفة دورية”.

وشددت على حاجة المجتمع إلى تغيير “ثقافة لوم الضحية”، إلى جانب “التعديلات المدمجة في نصوص قانون العقوبات لتجريم التحرش الجنسي. خصوصًا وأن هذا النوع من الجرائم له أبعاد ثقافية و اجتماعية. لذا، نحن بحاجة إلى تغيير ثقافة استباحة الرجال لأجساد النساء”.

كما ناشدت لـ”شن حملات توعوية وإعلامية وتعليمية، لتغيير هذه الثقافة السائدة، وتأهيل منفذي/ات القانون و متابعتهم/ن باستمرار. لأن ذلك سيساعد الضحايا/الناجيات في الحصول على حقوقهن دون وصمٍ أو لومٍ، ويؤدي إلى وقف التواطؤ مع الجناة”.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد