هتسكني لوحدك، تبقي “شمال”… معاناة مصريات مع السكن المستقل

تواجه المصريات أزمة في إيجاد سكن مستقل للإقامة بمفردهن أو برفقة أخريات، حين يقررن الاستقلال والانفصال عن الأسرة. إذ يواجهن نظرة المجتمع التي تصم النساء اللواتي يقمن بمفردهن بـ”السمعة السيئة”، أو حسب التسمية الدارجة في مصر بـ”الفتاة الشِمال”. ويُطلق هذا الوصف على كل النساء غير الملتزمات بالمعايير الاجتماعية، أو اللواتي يُعتقد أنهن غير ملتزمات بها.

بينما يرفض الكثير من أصحاب/صاحبات الأملاك تأجيرهنّ، وإن وافق أحدهم/ن، يفرض عليهن وصاية أبوية وذكورية. وتتنوع تلك الوصاية بين تحديد موعدٍ للدخول والخروج (حظر تجوال)، وتفتيش الشقة المستأجرة باستمرار، وأخذ أرقام العائلات للاتصال بهن/م، إن لم تلتزم الشابات بهذه القواعد. وذلك إلى جانب معرفة طبيعة مهنتهن و الأمراض المزمنة المصابات بها، والتي قد تحتاج رعاية خاصة. علاوةً على التعدي السافر على حيواتهن الخاصة.

شروط واستغلال في السكن المستقل

“السكن للمحجبات فقط “.. شرطٌ وضعه بعض مالكات/ملاك الشقق السكنية المعروضة للإيجار بمنطقة فيصل بمحافظة الجيزة، ما أثار استياء هند فارس الشابة العشرينية التي تعمل كصحافية. جاءت هند من مسقط رأسها بمدينة المحلة الكبرى بدلتا مصر، وذهبت برفقة صديقتها غير المحجبة ليقابلا مالكة العقار. لتتفاجأ هند عندما سألتها مالكة الشقة: “مين فيكم هتسكن هنا؟” لترد عليها هند: “أنا”.

تحكى هند تجربتها: “فوجئت بها تقول: صاحبتك ممنوع تزورك. و ملابسك لا تليق بالسكن. كان ردها صادمًا، و كأن الملابس معيار يحدد عليه مالكات/ملاك العقارات التأجير من عدمه. كما كان من شروط السكن عندها التواجد في الشقة قبل الثامنة مساءً. وذات مرة فوجئت بابنها يفتح باب الشقة. وكأنه لا وجود لاحترام حرياتنا الشخصية كمقيمات في نفس المكان، ما أصابني بالرعب”.

دفعت ظروف جائحة كورونا هند للعودة إلى مدينتها. وبعد عامٍ، عادت إلى القاهرة، باحثةً عن مكانٍ جديد وفرصة عمل جديدة. ثم وجدت ضالتها في غرفة بشقة في حي بين السرايات.

حي بين السرايات، هو أحد أحياء محافظة الجيزة ويقع بالقرب من جامعة القاهرة. لذا، تلجأ إليه كثيراتٌ، يرغبن بالبقاء على مقربة من أماكن الدراسة والعمل. خاصةً أنه الحي الأقل تكلفةً. ما يدفع الشابات، تحديدًا اللواتي في بداية رحلة الاستقلال، إلى الإقامة هناك.

شرحت هند كيف “استغلت المالكة حاجتنا أنا وصديقتي”، موضحةً أنها “أجرّت لنا سريرًا بسعرٍ مضاعف في شقة تشبه المقبرة. وحمّلتنا تكلفة أعطال الأجهزة رغم أنها مُستهلكة بسبب كثرة عدد المستأجرات. علاوةً على فرض حظر تجوال في العاشرة مساءً، ولو لم ألتزم به، عليّ المبيت في مكانٍ آخر”.

“في إحدى الشقق التي سكنت بها، اعتاد المالك، وهو رجلٌ في الثمانين، زيارتنا فجأة للتفتيش علينا، بحجة الاطمئنان على أحوالنا. و إذا به يطلب أرقام هواتفنا للتواصل معنا خِلسة. كنا نطرده، دون أن نسمح له بالدخول. لنتفاجأ به بعدها بأيامٍ يطرق الباب ويعاود المحاولة”، بحسب هند.

الرغبة في السكن المستقل بعيدًا عن عنف الأسرة

قررت سهام تحسين (اسم مستعار)، 30 عامًا، كاتبة محتوى، من مواليد محافظة الشرقية، الاستقلال عن أسرتها، بعد تعرضها للعنف الأسري. تحكي لـ”شريكة ولكن” تجربتها قائلة: “قررت تدبير أموري و الرحيل. فلم يعد باستطاعتي تحمل المزيد. ولكنني متخوفة من هذا القرار الذي أجلته لسنواتٍ، بسبب وصم المجتمع وملاحقته للنساء المستقلات عن الأسرة”.

لا تنسى سهام نظرات بعض جيرانها لها، حينما كانت تسافر أحيانًا إلى القاهرة. كن/كانوا يتساءلن/ون باستمرار: “إزاي تسافري لوحدك؟ البنت اللي تعيش و تسافر لوحدها تبقى “شمال”. في إشارة لوصف المستقلات بـ “سيئات السمعة”.

شيرين محمد (اسم مستعار)، 25 عامًا، مقيمة في محافظة القاهرة، عانت هي الأخرى من العنف الأسري.

ورغم تواصلها مع المؤسسات المعنية بدعم النساء، إلا أنها “لم تتلقَّ الدعم”، على حد قولها. كما لم تتمكن من تحرير محضر رسمي بالواقعة نظرًا لعدم وجود قانون يجرّم العنف الأسري.

روت تجربتها قائلة: “حاولت الاستقلال والإقامة مع زميلات الجامعة، للابتعاد عن أسرتي التي تتحكم في ملابسي و ممارسة هواياتي كالتمثيل، وترغمني على ارتداء الحجاب. إلا أنهن/م قابلن/وا محاولاتي بالرفض. وفي إحدى المرات، قال لي والدي: هقتلك لو عملتي كدة”.

أضافت شيرين أنه “وصل بي الأمر في بعض الأحيان إلى استعدادي للزواج من أي شخص، للانفصال عنهن/م، بسبب العنف. إلى أن التقيت بزوجي الحالي وأحببته كثيرًا. لكن أسرتي وضعت شروطًا للموافقة على زيجتنا، مثل منعي من التمثيل، وإلزامي بالحجاب”.

ما يحدث مع النساء المستأجرات أو الراغبات في الاستئجار، هو محض تحكمات شخصية بناءً على العرف المجتمعي السائد الذي لا يستوعب أن تعيش النساء ويعرفنّ أنفسهن بشكلٍ منفصلٍ عن الأسرة”.

الوصم المجتمعي يلاحق المستقلات

تحكى نورهان لـ”شريكة و لكن” قائلة:تقبلت أسرتي استقلالي بعد محاولاتٍ مضنية. لكن هناك أخريات رفضت أسرهن، ولجأن إلى الإضراب عن الطعام والشراب، لإجبار أسرهن على الموافقة”.

بدأت نورهان رحلة تدريبها كصحافية عام 2016، قبل تخرجها عام 2020. وحينما ناقشت نورهان رغبتها في الاستقلال مع بعض الأقارب والمعارف، فوجئت بعبارات لم تكن تتخيل سماعها منهن/م. بعض من هذه العبارات شمل وصمًا اجتماعيًا، ليس للمستقلات فقط، بل للصحافيات أيضًا. “عشان تشتغلي صحافية، لازم هتقدمي تنازلات جنسية”.

لكنها ناقشت هذه التخوفات والوصمات مع أسرتها. و”نجحت في إقناعهن/م بأهمية عملها بالنسبة إليها، وعدم صحة ما يروجه البعض عن العاملات بالمهنة”، على حد تعبيرها.

هبة عادل، رئيسة مجلس أمناء منظمة “محاميات مصريات لحقوق المرأة”، أشارت في حديثها لـ”شريكة ولكن” إلى أنه “لا يوجد نص قانوني يعطي الحق للمالكات/الملاك بعدم التأجير للمستقلات. وغالبًا يكون الرفض لأسبابٍ أخرى، أسهلها الاتهام بسوء السلوك. كما أن قانون الإيجار معيبٌ. فنحن بحاجة لتحرير عقود الإيجار، واحترام أطراف العقد، مع وضع نماذج تكفل حماية متساوية للحقوق”.

وتابعت أنه “لا يوجد سند قانوني لما تفعله/يفعله المالكات/الملاك مع الشابات المستقلات. فلا ينص قانون الإيجار الجديد في مصر على عدم جواز التأجير للنساء المستقلات عن الأسرة. وكذلك، لم ينصّ على التدخل في حيواتهن الشخصية ومراقبتهن. لكنّ ما يحدث مع النساء المستأجرات أو الراغبات في الاستئجار، هو محض تحكمات شخصية بناءً على العرف المجتمعي السائد الذي لا يستوعب أن تعيش النساء ويعرفن أنفسهن بشكلٍ منفصلٍ عن الأسرة”.

“تشاجر الجيران معنا، واضطررت لشرح سبب حضور زميلي معي، وأنه لم يصعد معي الشقة”.

المراقبة و الاعتداء

لا تنسى نورهان الأزمة التي تعرضت لها. حين عادت في أحد الأيام من عملها، وكان زميلها ينتظرها أسفل العقار بعد تعرض والدها لأزمة صحية، و كانت متجهة بالفحوصات إلى الطبيب. استوقفهما أحد جيرانها وتشاجر مع زميلها قائلاً له: “أنت مين؟ وصلتك بيها إيه؟”.

تحدثت نورهان عن الإهانة التي شعرت بها حين “تشاجر الجيران معنا، واضطررت لشرح سبب حضور زميلي معي، وأنه لم يصعد معي الشقة”.

الموقف ذاته تعرضت له مستقلات أخريات، إحداهن كانت برفقة شقيقها، والأخرى كانت برفقة خطيبها.

إذ لفتت إحداهما إلى أنه “إن كنتِ تسيرين في الحي برفقة شقيقك، أو زارك في الشقة التي تقيمين فيها، عليكِ تقديم ما يفيد صلتك به للمالك/ة، وحارس/ة العقار والجيران. إلى جانب مراقبتك عبر الكاميرات المثبّتة أسفل العقار، لمعرفة مدى التزامك بحظر التجول وكود الملابس والحجاب”. 

وأضافت أنه “يتم منعك من التدخين، أو الضحك بصوتٍ مرتفع، و إلا تجدين هؤلاء في أي وقت فوق رأسك. كما يرفضن/ون التأجير للمطلقات، ولا يجمع الملاك بين المطلقات والشابات اللواتي لم يسبق لهن الزواج في سكنٍ واحد. ويفضلن/ون أن تكون المستأجرات على صلة قرابة ببعضهن. وقد يحدث استثناء لهذه القواعد في بعض المناطق والأحياء التي يسكنها أجانب/أجنبيات”.

“لا يوجد خصوصية للشابة المستقلة”، هكذا تحكي نورهان التي انتهت تجربتها في السكن المستقل ذات يوم في قسم الشرطة. حينما تمت دعوتها لحضور حفل زفاف صديقتها. وبمجرد وصول السائق، وقبل أن تستقل السيارة، تشاجر معها أحد جيرانها، لتنتهي الواقعة بضبط الجار واقتياده إلى قسم الشرطة التابع للحي. ساعد نورهان ذلك اليوم وقوف جيرانها معها. حيث شهدن/وا على اعتداء الجار عليها في الشارع.

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد