استمرار المعركة الذكورية للسطو على الحقوق السياسية للنساء الكويتيات

نشهدت الجلسة الخاصة لمجلس الأمة الكويتي المنعقدة في 1 آب/أغسطس انسحابًا تامًا للكويتيات. اعتراضًا على تمرير المادة 16 من قانون المفوضية العامة للانتخابات، التي تفرض مجموعة قيودٍ ذكورية باسم الدين على المرشحات. وقد جاء انسحاب النائبات بعد الموافقة على الفقرة الثانية من القانون، التي تشترط التزام النساء بالحجاب والنقاب كشرطٍ للمشاركة في الانتخابات.

في شأن إنشاء المفوضية العامة للانتخابات، ينص القانون المقترح من قِبل الحكومة على المادة 16 التي تشترط التزام النساء بالقواعد والأحكام الإسلامية لمباشرة الحق في الترشح والانتخاب. ويعد مشروع القانون تعديًا سافرًا على نضالات النساء في المشاركة السياسية، والتي لم يظفرن بنتائجها إلا في 2005.

وتأتي هذه الهجمة على الحقوق الدستورية والقانونية للنساء في سياق نمو الخطاب الأصولي ضمن الساحة السياسية الكويتية. فتصبح النساء الهدف الأول لأي تحركٍ تقوم به القوى الرجعية.

كيف ستهدد هذه المادة الحقوق السياسية للنساء الكويتيات؟ وكيف يمكن للأصولية الأبوية أن تنجح في دحر النساء للمجال الخاص؟

في آذار/مارس عام 2005، طوّق ألف شخصٍ البرلمان الكويتي، للمطالبة بوقف منع النساء من التصويت والترشح. بعد ضغطٍ كبيرٍ، تم إقرار قانون يسمح للنساء الكويتيات بالإدلاء بأصواتهن والترشح في أيار/مايو من السنة نفسها.

المادة 16 والهشاشة الذكورية في الكويت

تنص المادة 16 من قانون الانتخابات في الكويت على أنه “لكل كويتي/ة بلغ/ت من العمر 21 سنة حق الانتخاب”.

تقول المادة صراحةً أن شرط الترشح هو المواطنة، أو 20 سنة من الإقامة، وأن يكون المترشح/ة كامل/ة الأهلية القانونية. وهي تتناقض مع الفقرة الثانية فور الوصول لجزئية ترشح النساء. حيث تنص على أنه “يشترط لمباشرة المرأة حقها في الانتخاب والترشح، الالتزام بالقواعد والأحكام المعتمدة في الشريعة الإسلامية”.

وتفيد هذه الفقرة بربط الحقوق السياسية للنساء بخياراتهن الشخصية في الملابس والسلوكيات، وإخضاعهن للقواعد الذكورية. ناهيك عن مخالفتها للدستور، وكامل التشريعات القانونية في اشتراطها هذه القواعد على النساء دون الرجال. وفي ذلك استهداف واضح للمكتسبات القليلة التي ظلّت النساء الكويتيات تدافعن عنها.

قاد هذه الحملة مجموعة من النواب الذكوريين، الذين رفضوا بوضوحٍ تواجد النساء في الساحة السياسية، إلا بضوابط ذكورية. ما يترك رسالة للمجتمع بأن النساء لا زلن تحت السيطرة.

في حين تكشف هذه الهجمة على الحقوق السياسية للنساء خطورة القوى الأصولية الأبوية، ورغبتها المستمرة في دحض النساء خارج الساحة السياسية. فإنها تكشف أيضًا عن الهشاشة الذكورية التي تطبّع مع سلوكيات هذه المجموعات وضعفها.

فالتوجه لسلب النساء والأقليات المساحة القليلة التي يحظين/ون بها، وترك القضايا التي تسحق المجتمع كالطبقية وانعدام العدالة الاجتماعية، لهو دليل على ضعف الذكورية كمنظومة. حيث تبرهن بكافة السبل أنها نظام معادٍ للعدالة. ويعتقد الذكوريون أن وجود النساء خارج سلطتهم، سيهدد امتيازاتهم ومشاركتهم في النهب والفساد الاقتصادي والسياسي.

هذا الهجوم على المشاركة السياسية للنساء يفضح الخوف الأبوي من وجود النساء كقوةٍ سياسية. فهذه القوة يمكنها تهديد السلطة الأبوية كنظامٍ كامل، في المستقبل.

ردود فعل نسوية غاضبة

أسفرت هذه الهجمة الشرسة على حقوق النساء السياسية عن تكتلٍ نسويٍ غاضب. تخطّى أسوار الاحتجاج على منصات التواصل الاجتماعي، إلى الاحتجاج داخل قاعة مجلس الأمة الكويتي. 

حيث دعت القوى النسوية والحقوقية في الكويت إلى وقفة ضد هذا الهجوم في اليوم الذي انعقدت فيه الجلسة. كذلك انسحبت النائبات من الجلسة كردّ فعل سياسي. إذ رفضن التلاعب بمكتسباتهن في خوض التجربة السياسية، التي ما تزال دون تطلّع الكثير من الفئات والطبقات الاجتماعية.

وقادت النائبة جنان الشهري حملة كبيرة ضد هذا الهجوم. برفقة أخريات/آخرين، فقدمت تعديلًا لإلغاء المادة 16، قوبل بالرفض من أغلبية النواب الرجال.

وصرحت معلنةً رفضها لهذا التعدي على حقوق النساء. “أصوّت برفض مشروع الحكومة بشأن مفوضية الانتخابات، لأن المرأة الكويتية ليست الحلقة الأضعف في المعادلة السياسية. وليست أداة مساومة لتحقيق أيّ شكلٍ من أشكال الموائمة السياسية”.

بينما أطلق الحراك النسوي الكويتي هاشتاغ #المادة_16_إساءة_للمرأة. من خلاله، طالبت مجموعة كبيرة من النساء والحلفاء بضرورة النضال لإلغاء هذه المادة، التي تعتبر إساءةً وتعديًا سافرًا على الحقوق السياسية للنساء. كما أنها رفضٌ صريح لوجود النساء في الفضاء العام. وبشكلٍ خاص، تترجم السعي الحثيث للقوى الذكورية والأحزاب الإسلامية في طرد النساء من الساحة السياسية.

من ناحية أخرى، فكّكت النسويات الكويتيات اللغة التي صيغت بها المادة، والتي تعبّر عن تمييز ممنهج ضد الأقليات، حسب الباحثة إسراء العمري. “للغة التي استخدمت في التشريع دورٌ في تعزيز الصور النمطية وفي التمييز ضد فئات مهمشة، كالنساء وغير المسلمين من المواطنين. وذلك بغض النظر عن مدى الالتزام الفعلي بتطبيق هذه النصوص، التي تتنافى مع الحقوق والحريات الدستورية والإنسانية”.

معركة الحصول على حق الترشح والتمثيل السياسي ما تزال قائمة، على الطبقة والمواطنة والقبيلة، ومدى قدرة النساء على الخروج من الاعتقال المنزلي والسلطة الذكورية للعائلة.

النضال المستمر لتحصين المشاركة السياسية للكويتيات

وفي مواصلة الجهود الرافضة لهذا التشريع، أصدرت 6 جمعيات نفعٍ عام بيانًا مشتركًا بتاريخ 26 تموز/يوليو 2023.

دعت فيه إلى ضرورة “وقف العبث بمكتسبات المرأة الكويتية”، مطالبة بالالتزام بالدستور. وأوضحت أنه “من الإجحاف أن تبقى المرأة الكويتية في حالة نضال دائمة، للحصول على أبسط المكتسبات. ومن ثمَ، عليها أن تخوض كفاحًا آخر للحفاظ على ما حققته”.

كما دعت إلى “إلغاء لجنة الظواهر السلبية، كون دورها معاديًا لروح الدستور ولتركيبة المجتمع الكويتي المتحضر، وتُشتت الانتباه عن القضايا المصيرية لدولة الكويت”.

خاضت النساء في الكويت نضالًا شرسًا، للظفر بحق المشاركة السياسية. أسفر هذ النضال، في أيار/ مايو من سنة 2005، عن إقرار قانون يسمح للنساء الكويتيات بالإدلاء بأصواتهن والترشح.

كالمعتاد، لم يكن هذا التاريخ مفروشًا بالورود. فقد خاضت النساء الكويتيات العديد من المعارك، من أجل الحق في المشاركة السياسية.

فمنذ 1973، والقوى السياسية النسوية تناضل لأجل هذا الحق. ومنذ ذلك الحين، والقوى الدينية الذكورية تلاحقهن لمصادرة حقهن في الترشح والانتخاب.

ولعل أبرز هذه المحطات كان النضال الذي خضنه بعد الغزو العراقي للكويت. فبعد المشاركة البطولية التي قامت بها النساء للدفاع عن بلدهن، رفضن سياسات الإقصاء والاستغلال. وكنتيجةٍ، دشنّ محطات جديدة في النضال لأجل حق التصويت.

ففي عام 1996، قامت 500 امرأة بالإضراب عن العمل لمدة ساعة، للمطالبة بحق النساء في الاقتراع. واستمرت النساء في الإضراب والتنظيم طيلة ست سنوات. حتى شهر أيار/ مايو من عام 1999، حين أصدر أمير الكويت مرسومًا أعطى النساء حقهن في الاقتراع والترشح لرئاسة المكاتب. لكن مجددًا، ألغى البرلمان هذا المرسوم بعد 6 أشهر، على إثر حملة من القوى الأصولية الأبوية.

اضطرت النساء للعودة لساحات النضال، وابتكار أساليب جديدة للضغط على الدولة وانتزاع حقوقهن. وخلال الانتخابات التشريعية سنة 2003، أنشأت النساء في الكويت مكاتب اقتراع موازية، “سمحت لمئات النساء بالإدلاء بأصواتهن الرمزية لمرشحين ومرشحات حقيقيات/ين”. كانت هذه الخطوة النوعية استمرارًا لمعارك كبيرة على المستوى السياسي، وظّفت فيها النساء مختلف الأساليب لرفض هذا السطو الأبوي على حقوقهن.

البرلمان الكويتي

في آذار/مارس عام 2005، طوّق ألف شخصٍ البرلمان الكويتي، للمطالبة بوقف منع النساء من التصويت والترشح.

بعد ضغطٍ كبيرٍ، تم إقرار قانون يسمح للنساء الكويتيات بالإدلاء بأصواتهن والترشح في أيار/مايو من نفس السنة.

لم تنتهِ المعركة، بعد. فبعد سنواتٍ من انتزاع حق التصويت والترشح، ظلت النساء تناضل ضد النسب الضئيلة للتمثيل السياسي، وعدم حصولهن على مقاعد كافية. بالاضافة لانتشار الانتخاب الذكوري، أي أن المجتمع نفسه يصوّت وفق أسس متحيزة جندريًا ترى الرجال أحق بالمناصب السياسية.

عام 2013، أدت هذه العراقيل الممنهجة أمام مشاركة النساء السياسية إلى غيابٍ تامٍ للنساء عن البرلمان الكويتي. كما أنها ساهمت في زيادة الهجمات التي تستهدف الانقضاض على حقوقهن القانونية والسياسية في التواجد ضمن المجال العام. ومنها، رفض إلغاء المادة 16، وتقييد حق النساء، ليس في المشاركة السياسية فقط، بل حتى في السيادة على أجسادهن.

جدير بالذكر أن المشاركة السياسية ما تزال امتيازًا بالنسبة للكثيرات في الكويت، خصوصًا النساء البدويات، والنساء البدون، والمقيمات، والنساء من أقليات عرقية ودينية. حتى الآن، تستحوذ ذوات الامتيازات على المشهد السياسي رغم قلّتهن.

معركة حق التمثيل السياسي ما تزال قائمة، على الطبقة والمواطنة والقبيلة، ومرهونة بحُريّة النساء من الاعتقال المنزلي والسلطة الذكورية للعائلة ورجال السلطة.

حجب النساء الكويتيات لاستدامة سلطة الرجال

تأتي الهجمة التي قادها رجال نافذون في الحكومة الكويتية ضد الحقوق السياسية للنساء، من عقيدة ذكورية ترى وجود النساء في المجال العام خروجًا عن طاعة الرجل وتهديدًا له.

وتنبع الدعوة عن ضرورة إخضاع النساء للحجاب، حتى يتمكنّ من المشاركة السياسية، وهي أداة أبوية تجعل حجب النساء واخفاءهنّ وسيلة للتحكم بهنّ. فخروجها دون حجابٍ، يعني تهديدًا لسلطة الرجل ومكانته. وتكسيرها للقواعد الذكورية التي تضع الحجاب كحبلٍ على مصيرها. فلا يسمح لها بالتحرك، إلا وفق الضوابط الذكورية.

يتنوع الهجوم الأبوي على النساء باستخدام أجسادهن كساحاتِ حرب وانتقام من رغبتهن في تغيير العالم الظالم الذي يعشن فيه. فتستخدم القوى الذكورية التشريعات التي تتحكم بأجسادهن، مثل قوانين الحجاب وتجريم الإجهاض، والتحكم بالجنسانية. وتهدف هذه القوانين لحصر النساء في المجال الخاص، أو تحركهن ضمن مساحة ضيقة، ما يسمح للنظام الأبوي بالتوسع وتقوية قبضته.

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد