الصحة الجنسية والإنجابية للسودانيات بعد رحلة الهروب من الحرب واللجوء إلى مصر

في ليلةٍ مظلمة، هلعت إخلاص بعد صواريخ شقّت بيتها إلي نصفين، وقررت الهروب إلى مصر، منتصف نيسان/أبريل الماضي. حملت رضيعها واصطحبت أبناءها وأمها، متوجهة نحو الحدود. طالت الرحلة عدة أيام نفدت فيها نقودها، وجفّ ثديها عن رضيعها، ولم تتمكّن من توفير الحفاضات ولا اللبن الصناعي. 

مرورًا بالمعبر، وصلت إخلاص القاهرة، حاملةً عبء رعاية 6 أبناء، أكبرهم 18 عامًا وأصغرهم عام ونصف، وأمّ مسنة. صار القلق يحاصرها، وأصبحت تعاني من اضطرابات في النوم. وبعد أن استضافتها أسرة سودانية لعدة أيام، انتقلت إلى مسكنٍ صغيرٍ يضمن لأسرتها الاستقلال، بعدما حصلت على الدعم من مفوضية اللاجئات/ين.

 عبر موقعها الرسمي، تستعرض المفوضية العامة للأمم المتحدة الدعم المقدّم إلى اللاجئات، خاصةً الحوامل والمرضعات. شملت برامجها الصحة النفسية والجنسية، والوقاية من الأمراض المنقولة جنسياً وتوفير العلاج. كما شملت رعاية ما قبل وبعد الولادة.

ضمّت برامج الصحة الإنجابية توفير وسائل منع الحمل، والإدارة السريرية لحالات العنف والاغتصاب، والإجهاض، والوقاية من الناسور وعلاجه، وفحص وعلاج سرطان عنق الرحم.

ظهرت عدة دعوات فردية متفرقة بتوفير سكنٍ وأثاثٍ بالمجان. كما حرصت السودانيات اللاتي حصلن على مسكن أن يستضفن ناجيات أخريات. 

الهروب والتخلي الدولي

منذ بداية الحرب، تمتد معاناة اللاجئات من تعرضهن للانتهاكات والاستغلال الجنسي، إلى إجبارهن على مساعدة المسلحين. خلال الفترة الراهنة، لم تكُن جهود المنظمات الحقوقية وهيئات المساعدة الدولية ذات فاعلية في حماية النساء والفتيات من هذا العنف، ونقلهن إلى أماكن آمنة. 

هذا ما دفعهن للجوء إلى الدول المجاورة، وعلى رأسها مصر، أملًا في النجاة. إلا أن تجربة الهروب كانت فردية، خاضتها النساء وحيداتٍ مع عائلاتهن من طفلاتٍ وأطفال وكبيرات/كبار السن.

كثيراتٌ منهن لم يجدن مساعدة سواء مادية أو معنوية، وهو ما جعل الرحلة أكثر صعوبة. وخلال هذه الرحلات الصعبة، تعرضن للاستغلال من “سماسرة النقل”، الذين يطلبون مبالغ طائلة، أو يمارسون انتهاكات بحق النساء اللواتي أردنَ الهروب. 

أخيرًا، وصلن إلى الحدود. ليتفاجأن بارتفاع تكلفة التأشيرة من 2000 جنيه مصري، بقيمة 65 دولار أميركي، إلى ما يزيد عن 10 آلاف، أي ما يقدر بنحو 350 دولار. 

بعد أن كانت الحكومة المصرية قد سمحت بدخول السودانيات/ين بدون تأشيرة، قررت في مطلع تموز/ يونيو الماضي فرض تأشيرات بدعوى الحد من التزوير. وهو ما زاد الصعوبات على النساء وجعلهن عرضة لمزيدٍ من الاستغلال والانتهاكات. 

 بعد رحلة رعبٍ وهروب، زادت المعاناة عليهن مع نفاد النقود، وغياب أي مساندة ذات فاعلية من الجهات الحقوقية. وتحول العبء على الناجيات من رهبة المصير المجهول، إلى مجرد تمني مرور الوقت وسط خوف الصغيرات/الصغار وشعورهن/م بالجوع. 

بادرة أمل على الحدود

بعد أيامٍ من العذاب على الحدود، امتدت لهنّ يد العون من الهلال الأحمر المصري وبعض منظمات المساعدات الإنسانية. إلا أن المساندة الشعبية كانت يدًا حانية على هؤلاء، ووجدن بعض الأكلات البسيطة لهن وللطفلات/الأطفال. حتى حليب الرضّع والحفاضات، بادر بهما الأهالي وبعض الناشطات النسويات في محافظة أسوان المصرية.

انتقلت بعضهنّ إلى القاهرة، وتحديدًا حي فيصل الشعبي بمحافظة الجيزة. بالطبع، كان على كل ناجية، خاصةً لو كانت أمًا، أن تعتمد على نفسها في توفير المسكن لأسرتها. وهنا، جاء دور الأهالي، حيث ظهرت عدة دعوات فردية متفرقة بتوفير سكنٍ وأثاثٍ بالمجان. كما حرصت السودانيات اللاتي حصلن على مسكن أن يستضفن ناجيات أخريات. 

لكنّ وصولهن إلى مصر لا يعني أنهن في مأمن تام. فأغلب النساء عرضة للانتهاك، خاصةً إذا كن ضحيات حربٍ أو لاجئات. الكثير من تجارب العنف والاستغلال تتعرض لها اللاجئات في مصر، السودانيات والسوريات واليمنيات، لاسيما مع نفاد الموارد وعدم توفّر مصدر دخل ثابت. 

التنسيق بين المنظمات المحلية والدولية والحكومة المصرية من أجل مساعدتهن، أمرٌ طارئ في ظل ظروف اقتصادية طاحنة تعاني منها كافة الطبقات في مصر. 

أعباءٌ مضاعفة بعد رحلة الهروب

تروي إخلاص الهادي، ابنة شمال السودان، استفادتها من مبادرة “الصحة النفسية والجنسية”، التي تقدمها “منظمة الهجرة الدولية”.

“كان أقوى احتياجاتي هو الاستماع إليّ. تحدثت طويلاً بشكل غير مرتب عن كل مايقلقني ويؤلم نفسي وجسدي. كانت تجربة الهروب وترك الدار والوطن مرعبة. بالإضافة إلى عبء جفاف لبن ثديي، وصراخ رضيعي، وفزع أبنائي، وبرفقتي أمي المسنة”. 

أما ن.ع ،38 عامًا، فكانت في حالة إعياء شديد، بعد مرورها بتجربة الولادة أثناء رحلة الهروب. تقول ن.ع لـ”شريكة ولكن”، أن الرعاية النفسية والصحية التي يجب أن تتلقاها النساء وهنّ على وشك الولادة كانت رفاهية، أمام عبء تكلفة الولادة نفسها والعلاج، ما زاد الضغط النفسي. وتضيف، إن أهم مكسب في اللقاءات كانت “الفضفضة”، بشأن تجربة سفرها غير الإنسانية ومتاعب الحمل والولادة في خضمها.

بحسب كريستين بشاي، المتحدثة الرسمية باسم “مفوضية اللاجئات/ين” في مصر، فالنسب الأعلى من اللاجئات/ين السودانيات/ين الهاربات/ين من الحرب من النساء والأطفال وكبار السن. لذلك، أغلب النساء وصلن إلى مصر يحملن أطفالهن، وأحيانًا أمهاتن دون الأزواج، نظرًا لسهولة الحصول على التأشيرة (الفيزا). وفور الوصول، يتم تسجيل طلبات اللجوء.

كل هذه المعاناة تعانيها الناجيات مع تحمّل مسؤولية حماية أسرهنّ للنجاة من الحرب، إلى جانب أن بعضهن حوامل أو على وشك الولادة أو مرضعات. تلك المراحل تعاني خلالها النساء من متاعب جسمانية ونفسية تستلزم الراحة، وتوفير الهدوء والابتعاد عن التوتر والغذاء المتوازن.

حتى وإن لم يُنجبن مؤخرًا أو لم يكنّ حوامل، مايزال الحيض واحتياجات العناية بالصحة الجنسية والإنجابية خلاله، أحد هذه الأعباء. تصبح التغذية السلمية والراحة وتوفير الفوط الصحية رفاهية، أمام هذه القائمة الطويلة من الاحتياجات.

ماذا بعد الهروب من الحرب؟

الحصول على مسكن مشترك أو بالمجان مع أسرة مستضيفة، هو حلٌ مؤقت. وذلك لأن الاستضافة أو مشاركة السكن تساوم على حق النساء في الخصوصية، لاسيما في حال وجود طفلات/أطفال. 

يتوجب على الناجيات من الحرب المشاركة في مارثون توفير سكن مستقل، حتى وإن كان غرفة ملحقة بحمام فقط. تضطهرن الظروف للنزول إلى سوق العمل، بدون أي مطالب، فقط قبول المتاح، حتى يتمكنّ من توفير الطعام، وإيجاد سكن مستقل.

لذلك، فعلى المجتمع المدني أن يتحمل دوره في مساندتهن للخروج من هذه الأوضاع السيئة والكارثية. وعلى هيئات المساعدات الدولية في مصر توفير فرص عمل إنسانية تحمي كرامتهن وتؤمن لهن دخلًا ثابتًا. فالتنسيق بين المنظمات المحلية والدولية والحكومة المصرية من أجل مساعدتهن، أمرٌ طارئ في ظل ظروف اقتصادية طاحنة تعاني منها كافة الطبقات في مصر. 

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد