التعقيم القسري.. عنف مزدوج ضد ذوات الإعاقة الذهنية بالأردن

داخل أحد مراكز رعاية ذوات الإعاقة الذهنية، عاشت أم وعد حالة من الصدمة خلال زيارتها لابنتها التي تعاني من إعاقة عقلية متوسطة. فبعض المشرفين قاموا بضرب الفتاة، وتعنيفها، وكتابة اسمها على أعضائها الجنسية.

قامت الأم بتصوير ابنتها وهي في حالة بائسة، ثم توجهت بها إلى الجهات الرسمية لتقديم شكوى. 

لا أحد يعلم عدد الانتهاكات الجنسية التي تعرضت لها وعد (اسم وهمي، 20 عامًا)، من قبل أحد المشرفين داخل إحدى مراكز التربية الخاصة في العاصمة عمان قبل سنوات. 

كل شيء يلقى على عاتق الأسرة التي تجد نفسها في جحيمٍ من المعاناة، وتتصور أن الحل الأمثل يتمثّل بانتهاك أجساد الصغيرات وتعقيمهن قسريًا. 

اعتداء جنسي متكرر بسبب الإعاقة

تقول أم وعد: “تم استدراج ابنتي من قبل أحد العاملين في المركز إلى غرفة بعيدة عن أعين الرقابة، وقام بالاعتداء عليها لمراتٍ متعددة، واستغلالها جنسيًا.

حينها، راودتني هواجس متعددة، منها الخوف من أن تحمل ابنتي بعد اغتصابها. كل ذلك بالتزامن مع عدم قدرتها على إدراك مفهوم سن البلوغ، أو تنظيف نفسها، واستخدام الفوط الصحية خلال الحيض”.

قررت أم وعد استئصال رحم ابنتها، لحمايتها حال تعرضها لأي اعتداء في المستقبل. فلا تتوفر سبل الحماية لها أثناء وجودها داخل المراكز. ففي بعض الأحيان، يتم تعيين مشرفين/ات غير مؤهلين/ات للتعامل مع الأشخاص ذوي/ذوات الإعاقة. أنا غير قادرة على توفير الحماية لها طوال الوقت”. 

قبل سنوات، عرفت منظمة الصحة العالمية، وبرنامج عمل مؤتمر القاهرة الدولي للسكان والتنمية، الصحة الجنسية والإنجابية. هي “حالة من الرفاه البدني، والعقلي، والاجتماعي الكامل في جميع الجوانب المتعلقة بالجهاز الجنسي والتناسلي ووظائفه وعملياته. وأنها ليست مجرد السلامة من المرض، أو الإعاقة”. 

كذلك، يعرّفها صندوق الأمم المتحدة للسكان بأنها: “السلامة الجسدية والنفسية والاجتماعية الكاملة، في جميع الأمور المتعلقة بالجهاز التناسلي والجنسي. وتعني قدرة الإنسان/ة على التمتع بحياة إنجابية مرضية وآمنة، والقدرة على الإنجاب، وحرية القرار فيما يتعلق به وموعده وعدد مراته”.

عنف قائم على أساس الإعاقة

لم يطلب الطبيب أية أوراق ثبوتية أو طبية لإجراء العملية الجراحية، فقط تواصل بإحدى المستشفيات الخاصة ليحجز موعدًا. هذا رغم أن القانون الأردني يمنع استئصال أرحام الفتيات ذوات الإعاقة، دون تقرير طبي موقّع من لجان متخصصة ووفق حالة المريضة. لكن بعض الأطباء يحتالون على القانون من خلال إجراء العمليات بعيادات خاصة، أو بالاتفاق مع بعض المستشفيات.

في الأردن، ترسل العائلات الفتيات ذوات الإعاقة إلى مراكز حكومية أو خاصة، بغية تدريبهن وتعليمهن. وذلك بسبب عدم تكفل الدولة أو مؤسساتها بتخصيص برامج أسرية توعوية للتعامل مع الفتيات ذوات الإعاقة في مختلف شؤون حياتهن، وخصوصًا الجنسية.

يشمل الأمر الفتيات من غير ذوات الإعاقات الذهنية، لأن هنالك تابوهات عدة حول الثقافة الجنسية في المجتمع الأردني. فقد تمتنع العائلة عن تثقيف الفتيات جنسيًا، وبعض الأمهات يواجهن خجلًا في الحديث مع بناتهن حول الصحة الجنسية. 

تعريض حياة طفل لعملية جراحية كبرى من دون داعٍ طبي واضح، مثل استئصال الرحم لطفلة ذات إعاقة، وما قد يرافق هذه العملية من أخطار كامنة لا يمكن اعتباره بأي حال من الأحوال بأنه يهدف لتحقيق مصلحة الطفلة الفضلى. فتصنف هذه العمليات على أنها كبرى، ويرافقها آلام وكرب شديد للطفلة، وهذا غير مبرر ولا ينطبق على دواعي إجراء العمليات الجراحية. كما أنه غير قائم على الدليل العلمي في الأدبيات الطبية”، وفق ما قاله مستشار الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان. 

الموافقة المستنيرة قد يتم التشكيك بها، ما لم تبنى على حالة من الوعي واليقين الذي قد تحول الإعاقة بينه وبين الفتاة نفسها.

هل القانون الأردني يحمي الفتيات ذوات الإعاقة؟

حماية الفتيات ذوات الإعاقة من العنف ليست رفاهية، بل واجب والتزام قانوني تتحمل الدولة مسؤوليته. وذلك تأسيسًا للاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها الأردن، ووفق ما جاء في المادة الثانية من الدستور الطبي الأردني. إذ تنص على أن كل عمل طبي يجب أن يستهدف مصلحة المريض/ة المطلقة، وأن تكون له ضرورة تبرره، وأن يتم برضاه/ها أو رضاء ولي الأمر إن كان قاصرًا/قاصرة أو فاقد/ة للوعي. 

في الأردن، يلزم قانون حقوق الأشخاص ذوات/ذوي الإعاقة رقم 20 لسنة 2017 في مادته الخامسة ضرورة الحصول على الموافقة المستنيرة. وهذه الموافقة إما للشخص ذات/ذي الإعاقة أو مَن يمثله/ها قانونيًا، حال القيام بأي إجراء طبي. وإن حدث غير ذلك، يعاقب الطبيب/ة أو ولي/ة الأمر بالحبس مدة لا تتجاوز السنة أو بغرامة لا تزيد عن ألف دينار أو بكلتا هاتين العقوبتين، على أن تضاعف العقوبة في حالة التكرار.

لا تتوفر إحصائيات رسمية حول أعداد العمليات التي تجرى سنويًا للفتيات ذوات الاعاقة. فإما تتم خلف الأبواب المغلقة، أو تسافر بعض العائلات إلى دول مجاورة لإجراء هذه العمليات. لكن وفق بيانات التعداد العام للسكان والمساكن، لا تتوفر أرقام رسمية حول أعداد الفتيات اللاتي يعانين من إعاقات ذهنية. إذ تصل نسبة الإعاقة إلى ما يقرب 11.2 % من مجمل السكان، ممَن أعمارهن/م خمس سنوات فأكثر.

قبل أعوام، نشرت جمعية “معهد تضامن النساء الأردني” دراسة قدّرت فيها المعدلات السنوية لإزالة أرحام ذوات الإعاقة بنحو 65 عملية. وصنفت هذا الإجراء الخطير على أنه تمييز وعنف تجبر عليه الفتيات، دون وعيهن الكامل واستغلالًا لإعاقاتهن الذهنية. 

انتهاكات صحية وجنسية ضد ذوات الإعاقة

تتعرض الفتيات ذوات الإعاقة في الأردن إلى مجموعة من انتهاكات الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية. وهذا ما كشفت عنه دراسة بحثية صدرت مطلع العام الحالي. حيث قامت بتقييم الخدمات المقدمة في مجالات الصحة الجنسية والإنجابية للفتيات ذوات الإعاقة داخل المراكز الصحية الشاملة. وذلك باعتبار هذه المراكز هي المقدم الرئيسي للخدمات الصحية، والأكثر انتشارًا على مستوى المملكة، كونها مراكز حكومية تتبع لوزارة الصحة الأردنية.

شاركت في الدراسة 143 ناشطة من قياديات ومناصرات حملة “ابني” – وهي حراك مجتمعي مستقل يطالب بحقوق الأشخاص ذوات/ذوي الإعاقة. شاركت ما يقرب من 29 فتاة ذات إعاقة، و 114 شخصًا من أهالي الأشخاص ذوات/ذوي الإعاقة: أب، أم، أخ، أخت. ومن أبرز نتائج الدراسة، وجود ضعف في مفهوم الصحة الجنسية والإنجابية وأهميتها على صحة وحياة الفتيات ذوات الإعاقة وأسرهن. وأفادت 84% من المشاركات في الاستبيان أن خدمات الصحية الإنجابية والجنسية غير مفهومة بصورة جيدة للفتيات ذوات الإعاقة في المراكز الصحية الشاملة.

بسبب الإعاقة الذهنية، تتعرض الفتيات ذوات الإعاقة للتمييز الجندري والجنسي، أكثر من غيرهن. كون المعتدي/ن يعتقدون أنهن لن يستطعن إخبار أحد بالاعتداء، وبالتالي لن يتم الإبلاغ عن الجناة ومحاسبتهم على جرائمهم. ويأتي ذلك في وقت عدم توفر منصات خاصة لتقديم الشكاوى بسرية تحفظ خصوصية الفتيات وحقوقهن. هذا ما تؤكده العاملة في مجال الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية كريستينا كغدو.

استئصال أرحام أم اعتداء جنسي وتعقيم قسري؟

تقول كغدو: “يتم تصنيف الإعاقات الذهنية إلى إعاقة شديدة، ومتوسطة، وبسيطة، بالإضافة إلى متلازمة داون. ويعتبر استئصال أرحام الفتيات ذوات الإعاقة، دون القبول التام أو الموافقة المستنيرة، تعديًا صارخًا على حرية الجسد. كما يتم تصنيفه على أنه تعقيم قسري، وفق المؤسسات المعنية بحقوق الإنسان، وحقوق ذوات/ذوي الإعاقة حول العالم. وذلك لكونه اعتداء على حق الفتاة في تقرير مصيرها الجنسي والإنجابي”. 

وفق المادة 25 من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، يجب توفير الرعاية والبرامج الصحية المجانية للأشخاص ذوات/ذوي الإعاقة. وهي تعادل في نطاقها ونوعيتها ومعاييرها تلك التي يتم توفيرها لغير ذوات/ذوي الإعاقة، بما فيها خدمات الصحة الجنسية والإنجابية. لكن ضعف تطبيق القوانين وتجاهل الاتفاقيات الدولية ساهم في تراجع حصول عدد من ذوات/ذوي الإعاقة على حقوقهن/م في رعاية صحية وجنسية ملائمة.

هناك جدليات ذات وجاهة حول استطاعة الفتاة التي تعاني من إعاقة ذهنية أو عقلية أن تحدد مصيرها، ورغباتها في استئصال رحمها من عدمه. وذلك في وقتٍ لم تتوفر لها رعاية طبية وتربوية صحيحة تُمكّنها من اتخاذ قرار مصيري كاستئصال الرحم. لذلك، حتى الموافقة المستنيرة قد يتم التشكيك بها، ما لم تبنى على حالة من الوعي واليقين الذي قد تحول الإعاقة بينه وبين الفتاة نفسها.

في هذه الحالة، الأجدر هو عدم المساس بأجساد الفتيات ذوات الإعاقة، وعدم اعتبارهن مسؤولاتِ عن الاعتداء الجنسي عليهن وما قد يترتب عليه مثل الحمل. وفي هذا الصدد، فإن حمايتهن من العنف الجنسي، وتشديد الرقابة في المراكز، وإيجاد طرق فعّالة للإبلاغ عن الجناة، فضلًا عن تخصيص برامج توعوية لهن وللعائلات، هي الطريق الوحيد.

ما هي البدائل المتاحة لحفظ حقوق هؤلاء الفتيات؟

منذ سنوات تعمل المستشارة التربوية اعتدال الآغا على نشر فيديوهات عبر شبكات التواصل الاجتماعي لرفع الوعي بأهمية التواصل ما بين الأشخاص ذوات/ذوي الإعاقة والأسرة. كما تقوم بإدارة إحدى الملتقيات عبر صفحتها على الفيس بوك، لبث رسائل توعوية حول ضرورة إعطاء الحقوق كاملة للأشخاص ذوات/ذوي الإعاقة، ودمجهن/م بالمجتمع بدلًا من الإقصاء والنهج العقابي. 

تقول الأغا:” لا تتوفر الرعاية الصحية والخدمات التوعوية والتشخيصية الصحيحة للفتيات ذوات الإعاقة في الأردن. وهذا ما يزيد من معاناة ذويهن بشكلٍ كبير. فلا يحصلن هن أو أسرهن على برامج تأهيلية، أو تدريبات متخصصة للتعامل معهن في مراحل البلوغ، أو تخصيص مناهج دراسية تراعي إعاقاتهن الذهنية. كل شيء يلقى على عاتق الأسرة التي تجد نفسها في جحيم من المعاناة، وتتصور أن الحل الأمثل هو انتهاك أجساد الصغيرات وتعقيمهن قسريًا. 

على مدار السنوات الماضية، عمل المجلس الأعلى للأشخاص ذوات/ذوي الإعاقة على تشديد العملية الرقابية. وذلك برفقة وزارة التنمية الإجتماعية المسؤولة عن حماية ذوات/ذوي الإعاقة داخل مراكز التربية الخاصة. كذلك تم تشريع بعض القوانين التي تعطي الحق لبعض المستثمرين بفتح المراكز وتعيين المشرفين بداخلها، وتبقى الرقابة على هذه المراكز الخاصة محل تساؤل. 

في الأردن، يرى بعض المختصين/ات والمطلعين/ات على واقع الأشخاص ذوات/ذوي الإعاقة أنه ما زالت هناك معاناة وتمييز ضد ذوات/ذوي الإعاقة في الخفاء وخلف الجدران المغلقة. وهذا ما يتطلب جهود مضاعفة من قبل الجهات المختصة. وتهدف الجهود إلى تعزيز العملية الرقابية ورفع كفاءة المراقبين/ات وتثقيفهم/ن، وإشراك مختلف المؤسسات الرسمية والمدنية في المتابعة والاهتمام.

كما يجب الانتباه إلى أن تعرّض الفتيات ذوات الإعاقة للعنف الجنسي لا يحدث داخل مراكز الرعاية فحسب. فبعض هؤلاء يتعرضن له داخل المنازل ومن أفراد الأسرة والعائلة الممتدة أيضًا.

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد