بعد مصر ولبنان.. الإمارات تعاقب شابة رفضت التطبيع مع ثقافة الاغتصاب

أصدرت محكمة في الإمارات يوم الجمعة 23 حزيران/يونيو، حكمًا بالحبس والغرامة والترحيل بحق شابة تدعى “مذهلة”، على خلفية مواجهتها الكاتب الكويتي المدان بتهمة الاغتصاب ياسر البحري، خلال معرض أبو ظبي للكتاب.

وسبق أن أدين ياسر البحري في قضية اعتداء جنسي على قاصرة بالولايات المتحدة الأميركية. كما سُجن لمدة 15 عامًا إثر هذه القضية.

بعد التطبيع مع جيش الاحتلال.. الإمارات تطبّع ثقافة الاغتصاب

بعد مواجهة مذهلة للمعتدي ياسر البحري، ووصفه بـ”المغتصب”، رفع الأخير دعوى بحقها بتهمة انتهاك الخصوصية لدى النيابة العامة الإماراتية.

وأصدرت  السلطات الإماراتية حكمًا قضى بمعاقبتها بـ”الحبس 6 أشهر، ودفع غرامة مالية بقيمة 50 ألف درهم. بذريعة الاعتداء على الخصوصية”.

ولم تكتف المحكمة الإماراتية بذلك، بل عاقبتها بـ”الإبعاد عن الدولة عقب تنفيذ الحكم”، في انتهاكٍ صريحٍ لاتفاقيات الإقامة وحماية الأشخاص.

أتت تهمة انتهاك خصوصية المغتصب كتأكيدٍ على التطبيع الذكوري مع المغتصبين في الإمارات. كما لو أن إدانة الرجال بالاغتصاب تدخل حيز الخصوصية. وكما لو كان وصفهم بالمغتصبين بناءً على إدانات رسمية، هو اعتداء على تلك “الخصوصية” المزعومة. وفي الوقت نفسه، يُحتفى بهؤلاء المغتصبين، وتقدم  القوانين والسلطات القضائية كامل الحماية لهم، دون الالتفات إلى حق النساء والفتيات في الحماية. 

كما انسحب هذا التطبيع الذكوري إلى منصات التواصل الاجتماعية. إذ تعرضت مذهلة لهجومٍ ذكوريٍ، في حين استغل ياسر البحري سيادة ثقافة الاغتصاب في جمع المزيد من الدعم حوله.

وفي المقابل، أطلق/ت ناشطون/ات على “تويتر” وسم “#كلنا_مذهلة”، عبروا/ن من خلاله عن تضامنهم/ن معها، ورفضهم/ن لسياسة التخويف والترهيب الإماراتية.

ماذا حصل في معرض الكتاب؟

حضرت مذهلة إلى معرض الكتاب متسلحة بوعيٍ نسوي متّقد. حيث واجهت ياسر البحري بسؤال ثاقب: “ماهو الإنجاز الذي ستقدمه وأنت مغتصب؟“، في بثٍ مباشرٍ على تطبيق تيك توك.

الاستفادة التي يحققها ياسر البحري هي تطبيع ثقافة الاغتصاب، وإعطاء المزيد من التبريرات للعنف الأبوي وتقويض الأصوات المناهضة للاعتداء الجنسي.

اقتربت مذهلة من ياسر البحري الذي كان مغترًا بنفسه وهو يوقع مئات النسخ من كتبه التي استخدمها بشكلٍ جيدٍ في تلميع صورته. ثم سألته عن الإنجاز الذي سيقدمه وهو مدانٌ بالاغتصاب.

كان هذا السؤال، كما الفعل، صادمًا. حيث أن ياسر البحري استغل سنوات سجنه ليحظى بدعمٍ منقطع النظير من المجتمعات المسلمة.

صوّر ياسر البحري نفسه كضحية لاستهداف المسلمين ومحاربة الإسلام، ووظّف “كارت” الدين بشكلٍ جيدٍ أثناء فترة سجنه. فألّف كتبًا عن استهدافه المزعوم بناءً على معتقداته الدينية، ومساهمته في تغيير دين العديد من الأشخاص للإسلام.

صورة الرجل المسلم المستهدف من النساء بسبب عقيدته، كادت تكون العنوان الأبرز لتبرير الاغتصاب في الألفية الجديدة. فياسر البحري وغيره من الرجال المسلمين النافذين استخدموا موازين القوى الجندرية، وتجييش مشاعر المتدينين لحماية أنفسهم من المحاسبة.

دخلت مذهلة بصوتٍ شجاعٍ، رغم أنها كانت تحت خطرٍ محدق، وهو نفوذ ياسر البحري. الذي كان وسط جماهيرٍ غفيرة واحتفاءٍ بـ”إنجازاته”. جماهير شاركت في المرافعة عنه، حتى قبل خروجه من السجن. لكنّ مذهلة تحدّت هذه السلطة، وسألت سؤالًا محرجًا للنظام الأبوي بأكمله، وليس لياسر البحري فقط. بماذا سيفيد من يبرر لنفسه الاعتداء والاغتصاب هذه المجتمعات؟ وماذا سيتعلم الشباب من كتبه؟

أما الإجابة، فكانت واضحة. وهي أن الاستفادة التي يحققها ياسر البحري هي تطبيع ثقافة الاغتصاب، وإعطاء المزيد من التبريرات للعنف الأبوي وتقويض الأصوات المناهضة للاعتداء الجنسي.

الإمارات ليست الدولة الوحيدة

معاقبة مذهلة لمواجهتها ياسر البحري، ووقوفها في وجه تصويره كضحية، وليس معتدٍ، هو أمر تكرر بشكلٍ مخيف، خلال وقتٍ وجيز في المنطقة الناطقة بالعربية.

تمت محاكمة سلمى الطرزي ورشا عزب، وعائدة الكاشف في مصر، واستدعاء حياة مرشاد إلى التحقيق في لبنان، لأنهن ساندن الضحيات/الناجيات من الاعتداء الجنسي. اليوم، تنتهج الإمارات النهج ذاته في استخدام ثلاثية السجن والغرامة والإبعاد القسري بحق مذهلة.

لإخراس الصوت والتضامن النسوي، فكانت تهمة “التشهير” جاهزة لتوجيهها إلى الناشطات في كل من مصر ولبنان. أما في الإمارات، فالتهمة هي الاعتداء على الخصوصية. وهذه التهم تجعلنا نتساءل عن القوانين والتشريعات التي تقوم بتمكين الرجال المتهمين بالاعتداء الجنسي، لتوظيفها فيما بعد ضد النساء اللواتي يفضحن الجرائم التي ارتكبوها.

هذه الأساليب القمعية في إخراس أصوات الناشطات المناهضات للعنف الأبوي، هي إدانة للأنظمة السياسية في المقام الأول. حيث تسمح تلك الأنظمة وقوانينها وتشريعاتها، باستهداف النساء اللواتي يسعين إلى عالمٍ خالٍ من العنف الجنسي. وتعتبر النساء اللواتي يرفضنه مُجرمات، وتُدينهن جنائيًا ومجتمعيًا.

وهي أيضًا، دليل على شعور الأنظمة الأبوية بالتهديد من المساحات النسوية التي استطاعت كسر الصمت عن الاعتداء الجنسي مؤخرًا. بالإضافة إلى أنها رسالة تهديدية للضحيات/الناجيات. هذه الرسالة تجبرهن على الصمت والتعايش مع الألم والانتهاك، بينما يحصد الجناة الجوائز والاعتراف الاجتماعي، والامتيازات، وآلاف الأصوات المشجّعة.

هذا التهديد ينبع من ثورة نسائية نسوية حدثت في السنوات الأخيرة حول تفكيك قضايا الاعتداء الجنسي. وترتكز على فضح المعتدين وتحقيق عدالة بديلة للناجيات/الضحيات، دون الحاجة للمحاكم الرسمية التي غالبًا ما تنتصر للجناة. وبسبب غياب آليات العدالة الاجتماعية والمحاسبة، كان علينا كنساء وكنسويات أن نشق طريقنا البديل. نفعل ذلك من أجل عدالة نستحقها، بينما يحيط بنا العنف من جميع الجهات.

قاتلات بهجة الأبوية

هذه الآليات يتم الانقضاض عليها من السلطة السياسية الأبوية، وتتحول شيئًا فشيئًا إلى أداة إدانة قانونية ومجتمعية بحق الناجيات/الضحيات والناشطات.

يصرخون أن النساء يسعين إلى تدمير سمعة الرجال المتهمين بالاغتصاب. في الوقت نفسه الذي يتم فيه وصم الضحيات/الناجيات، ويخسرن حيواتهن الاجتماعية والمهنية.

ونحن إذ نقوم بتفكيك آليات العدالة الرسمية المتحيزة ضد النساء، يتم توجيه أصابع الاتهام نحونا، وليس إلى  مكانها الصحيح، أي نحو المتهمين بالعنف الجنسي. أما أدواتنا لإنفاذ عدالة بديلة، فهي مهددة من النظام الأبوي. هذا النظام الذي يجعلنا نحنُ المجرمات، وهم الأبطال. نحنُ مزعزعات نظام استقر على أجسادنا وكرامتنا الإنسانية لقرونٍ، وهم الضحايا.

يخرج الرجال من القضايا الرسمية للعنف الجنسي مُلتحفين بثياب التقوى والاستضعاف. وتنتفض مجتمعاتنا لإنقاذ هؤلاء من براثن النسوية. يعودون لحيواتهم الاجتماعية والعملية، ونبقى نحن مُهدداتٍ بالسجن والوصم الأبدي. ثم يتباكى هؤلاء، على حوائط الأبوية. يصرخون أن النساء يسعين إلى تدمير سمعة الرجال المتهمين بالاغتصاب. في الوقت نفسه الذي يتم فيه وصم الضحايا/الناجيات، ويخسرن حيواتهن الاجتماعية والمهنية. ويتم وضعنا كنسوياتٍ في قوالب مُسببات المشاكل.. قاتلات بهجة الأبوية.

من السجن إلى التفاخر.. الأبوية إلى أين؟

متفاخرًا بسجن مذهلة، سجل ياسر البحري مقطعًا يشكر فيه سلطات الإمارات على دعمه وحمايته. بينما دمر مستقبل شابة، كل تهمتها أنها تحدته بشجاعة. حيث وقفت منفردة في وجه تلميع صورته، وتبرير الاغتصاب والاعتداء الجنسي.

تواجه مذهلة اليوم نظامًا كاملًا يصرّ على حماية المعتدين، وغسل صورتهم عبر مؤسسات الدولة واستخدام الدين كدرعٍ لحمايتهم. ويتم معاقبتها، لأنها تحدثت بصوت ملايين النساء اللواتي يشاهدن المعتدين يؤلفون الكتب، ويقدمون البرامج التلفزيونية، وينشدون الأغاني.

نتضامن مع مذهلة، وكافة النساء اللواتي تم اعتقالهن ومحاكمتهن بتهمة التضامن النسوي مع الضحايا/الناجيات، ووقف ثقافة الاغتصاب.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد