الحجاب اختياري والنقاب ممنوع.. قرار وزاري يثير الجدل في مصر

رغم انتشاره داخل المجتمع المصري، إلا أن تداخل غطاء الرأس مع منظومة الأعراف والتقاليد، أعطى للحجاب أبعادًا أخرى.

تحوّل الحجاب إلى ركنٍ ربما أقوى من أركان الإسلام الخمس، وتعلق به مفهوم إشكالية الشرف. وأصبح خلع النساء والفتيات للحجاب أشبه بـ”الفضيحة”. يرجع ذلك إلى أن الأعراف والتقاليد كثيرًا ما يكون تأثيرها أقوى من تأثير الدين.

تلك الموروثات المغلوطة لم تكتفِ بالتوغل في المنازل وأماكن العمل والجامعات ودور العبادة الأثرية. بل اقتحمت أسوار مدارس الفتيات في مختلف المراحل التعليمية. فبمجرد أن تُلفظ كلمة “حجاب” سواء بالإيجاب أو السلب، يتحول الأمر إلى حلبة صراع، وينهال التوبيخ، وأحيانًا التكفير.

وزير التعليم: “لا إجبار على الحجاب في المدارس”

أكبر دليل على هذا الأمر هو حالة السجال التي انتشرت مؤخرًا داخل المجتمع المصري إزاء قرار وزير التعليم رضا حجازي.

حيث أفاد أن غطاء الشعر للفتيات داخل المدارس ليس إجباريًا. موضحًا أنه “يشترط في الغطاء الذي تختاره الطالبة برغبتها، ألّا يحجب وجهها”، في إشارة منه للنقاب. كما اشترط أن يكون ولي/ة الأمر على علم بخيار ابنته/ها، وألّا يكون نتيجة ضغط او إجبار من أي شخص أو جهة.

لاقى القرار ترحيبًا من حقوقيات/ين ووليّات/أولياء أمور، بينما رفض من قبل أخريات/آخرين، واعتبرنه/وه انتهاكًا للحرية الشخصية ومخالفة دينية آثمة.

شعرت بالسعادة عندما اطلعت على مواصفات الزيّ المدرسي الذي حددته الوزارة في المدارس الحكومية والخاصة وهي “مريلة وبنطلون”. أتذكر جيدًا زميلتي التي أنهت علاقتها بي في المدرسة الإعدادية، بسبب عدم ارتدائي لـ”الملحفة” التي انتشرت بين الطالبات في ذلك الوقت. فدائمًا ما كانت تنعتني بغير المسلمة، لأنني أظهر بشعري. وبدوري، كنت أتساءل لماذا تم دفن طفولتها، وأين ذهبت الضفيرة التي اشتهرنا بها؟ ومع مرور الأيام، استمرت محاولات المدرسات/ين للضغط عليَّ لارتداء الحجاب. فكنت أخشى أحيانًا من الأذى، ولحسن حظي، كان تفوّقي الدراسي شفيعًا لي. 

المركزية والتهميش.. أحد أسباب التحيّز الجنسي ضد النساء والفتيات

نشرت الدكتورة رضوى الفقي، الباحثة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة عام 2020، دراسة بعنوان “التطور التاريخي للحجاب في مصر”.

بحسب الدراسة، فإن ظاهرة انتشار الحجاب في السنوات العشرين الأخيرة جعلته القاعدة في الزي لا الاستثناء.

يحدث ذلك خصوصًا في الأقاليم والمحافظات التي يصبح فيها الحجاب أمرًا مفروغًا منه، مع بلوغ الفتاة سن الثانية عشر أو أقل في بعض الأحيان. ولا يختلف الحال كثيرًا في العاصمة المصرية القاهرة، تحديدًا في الأحياء الشعبية التي تزيد فيها نسبة الحجاب داخل المدارس الحكومية. وذلك لأسباب عدة، من بينها ارتباط الحجاب بالطبقة، والعادات الاجتماعية المتحيزة جنسيًا.

تقول مريم عثمان، طالبة في الصف الثاني الثانوي بإحدى مدارس الصعيد، أن معلمتها أقنعتها بارتداء الحجاب من أجل الزواج.

وأضافت لـ”شريكة ولكن”: “عندما تنهي الفتاة المرحلة الثانوية بقريتنا، يتم تزويجها. أما الرجال، فيسعون إلى الزواج من المحجبات، لأنها في اعتقادهم ‘أكثر احترامًا'”.

وتابعت: “بعد ترديد هذه الكلمات من الجميع، أصبح لديّ هواجس بعدم الزواج، فارتديت الحجاب رغم عدم حبي له. لكنني أحيانًا أخلعه خارج القرية، عندما أتواجد في مكانٍ لا يعرفني فيه أحد. كان ذلك هو الحل الوحيد أمامي، وإلا تعرضت للتعنيف والضرب من أسرتي”. 

طفلتان جمعتهما الصداقة وفرقهما الحجاب

تواصلت “شريكة ولكن” مع عدد من الطالبات من أعمار ومحافظات مختلفة، لمعرفة تجاربهن مع الحجاب داخل المدارس.

نور، طالبة الصف الثاني الابتدائي التي تبلغ من العمر سبع سنوات، وخديجة التي تصغرها بعامٍ دراسي تقنطان في نفس الدور بإحدى عمارات مدينة السادس من أكتوبر. كانتا تتبادلان كل شيء معًا، اللعب والطعام وغيره. فجأة، قرر والد خديجة إجبارها على الحجاب، ومنعها من اللعب خارج المنزل، بحجة الخوف عليها وعدم الاختلاط مع أولاد الجيران. ثم قام بنقلها إلى مدرسةٍ أخرى، لقطع علاقتها بنور، لأنها غير محجبة، وهو يخشى أن تقلدها خديجة. 

“الحجاب يحميكِ من التعرض التحرش”

“أجبرني مدرّسي على ارتداء الإسدال، حتى لا أتعرض للتحرش”. هكذا قالت منى، طالبة في المرحلة الإعدادية بإحدى مدارس محافظة الجيزة. وأضافت أنه كان دائمًا ما يتهم غير المحجبات بأنهن مسؤولات عن تعرضهن للتحرش في الأماكن العامة.


تقول والدة منى لـ”شريكة ولكن”: “عادت ابنتي من المدرسة في حالةٍ نفسيّةٍ سيئة. وأخبرتني أن صديقاتها المحجبات لا يرغبن في التعامل أو التمشية معها خارج المدرسة، خوفًا من التحرش”.

وحاولت الأم التواصل مع إدارة المدرسة، التي أكدت أن الزيّ الرسمي المنصوص عليه، وفقًا للوائح وزارة التعليم، لا يفرض الحجاب. إنما يتطوع المدرسات/ين بالضغط على الطالبات لارتدائه، بذريعة الدعوة إلى “الالتزام الديني”.

ناشطة حقوقية: “القرار صائب”

ترى الناشطة لمياء لطفي، ممثلة مؤسسة “المرأة الجديدة” وهي منظمة نسوية مصرية، أن منع إجبار الطالبات على ارتداء الحجاب داخل المدارس هو قرار صائب.

وأشارت إلى أن هذا الأمر ليس جديدًا، فقد أصدر وزير التعليم الأسبق حسين كامل بهاء الدين عام 1994 قرارًا مماثلًا. ولاقى هذا القرار أيضًا هجومًا كبيرًا في ذلك الوقت من الجماعات الإسلامية.

واعتبرت لمياء لطفي أن القرار الوزاري هو خطوة استباقية، لتجنّب ما وصفته بـ”الخناقة” السنوية. وهو الشجار الذي يشبّ كل عامٍ بين هيئات التدريس والطالبات ووليّات/أولياء الأمور، بسبب إجبار الفتيات على الحجاب وأحيانًا الإسدال، باعتباره جزءًا رئيسيًا من الزيّ المدرسي. وأكدت لمياء أن مؤسستها ليست ضد الحجاب مطلقًا، فهو قرار شخصي. لكنها ترفض أيّة محاولاتٍ لإجبار الطالبات على ارتدائه.

وأدانت لمياء محاولات بعض المدارس في الأرياف والمحافظات النائية إجبار الطالبات المسيحيات على ارتداء الحجاب، بوصفه جزءًا من الزيّ المدرسي. وفي حالة رفضهن، يتم التحايل على الأمر، ومحاولة ترغيبهن فيه على شكل “إسبانش*”. وأضافت: “نرصد شكاوى كثيرة في مختلف محافظات مصر، بسبب الإجبار على الحجاب. من حقنا حماية العملية التعليمية وتوفير بيئة آمنة للطالبات”.

*اللفة الإسبانش هي طريقة لفة الطرحة أو الحجاب، انتشرت مؤخّرًا. كانت في البداية طريقة للفة طرحة الفتيات في خطوبتهنّ أو زفافهنّ. وتطوّرت فيما بعد لتعتمدها الكثيرات في المناسبات أو في حياتهنّ اليومية.

ماذا عن النقاب؟ محاولات للتحايل

هناك إشكالية لا يمكن إغفالها في قرار وزارة التربية والتعليم. فبعض الطالبات ترتدين النقاب، وهو ما تم حظره ضمن قرار عدم الإجبار على الحجاب. ففي نفس القرار، تم اشتراط عدم تغطية الوجه، وهو ما يسبب ضغطًا إضافيًا على الطالبات اللواتي ترتدين النقاب. إلا أن بعضهن، ورغم الاستياء، قررن التحايل، كما فعلت شيماء.

أبدت الطالبة شيماء، التي تستعد لدخول الصف الأول الثانوي بإحدى مدارس محافظة الإسكندرية، اندهاشها من قرار وزير التعليم. إذ ترتدي النقاب هي وثلاث من زميلاتها وكانت تدخل به المدرسة باعتيادية، بعد أن تتحقق إحدى المعلمات من هويتها. وأضافت أنها حتى الآن لا تعرف بشكلٍ دقيقٍ ما الذي ستفعله، لافتة إلى أنها ستغطي النصف الأعلى من الوجه بالحجاب العادي. وفيما يتعلق بالأنف والفم، فستقوم بتغطيتهما بكمامة.

وأضافت: “إذا تعنتت إدارة المدرسة، سأحاول الحصول على تقريرٍ طبي موثّق بأنني أحتاج إلى تغطية وجهي بسبب حساسية بشرتي من التعرض للشمس، لأتمكن من تغطية وجهي. فليس من حق المدرسة أن تجبرني على اختيار نمط ملابسي”.

عندما يختلط الحجاب بالأعراف والتقاليد

تقول لمياء لطفي: “في المجتمعات التي يهيمن فيها الرجال على النساء، توجد حالات عنف وإجبار كثيرة ضد الفتيات على الحجاب. للأسف، عباءة التقاليد طرحت موروثات خاطئة بأن الرجل هو المسيطر والمسؤول عن حماية أخلاق الفتيات المتمثلة في التزامهن بالحجاب. وأن ارتداء الحجاب دليل على ما يتم تسميته “نخوة الأخ وكرامة الأب”.

بمرور الوقت، اختلطت هذه الموروثات المغلوطة بعباءة الدين، وتوغلت الوهابية داخل المجتمع منذ فترة السبعينيات، لنرى تحايلاتٍ أخرى من نوع “ارتداء الحجاب هو مفتاح الجنة”.

بحسب لمياء، رصدت مؤسستها صورة متداولة لشاب في العشرينات على صفحته الخاصة بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”. كانت الصورة عبارة عن “طاسة” – أي مقلاة – مغطاة بالدماء وكتب تحتها: “لما أختك تيجي تقولك عايزة أطلع أوصة (غُرّة) من الحجاب”. وفيما يتضح أنه أسلوب ذكوري ساخر، لتمرير تعنيف الفتيات من إخوانهن، بذريعة أنهم حماة “الشرف والأخلاق” داخل الأسرة، مُمثلان بالطبع في أجساد الأخوات ومظهرهن العام واختياراتهن الشخصية.

بدورها، حذّرت الدكتورة رشا الجندي الخبيرة النفسية، من عواقب إجبار الطالبات على ارتداء الحجاب في سنٍ صغيرة.

وأشادت بقرار وزير التعليم قائلة: “كل فتاة لها مرحلة يجب أن تعيشها بحلوها ومرّها. الطفولة والمدرسة مرحلة الانطلاق والحرية واللعب. لكن إجبار الفتاة على ارتداء الحجاب يمنعها في بعض الأحيان من أن تعيش هذه الأجواء”.

وأضافت: “يرى البعض الآن خلع المرأة للحجاب على أنه خروج عن جميع الفضائل وإعلان تمرد على الدين والمجتمع، عوضًا عن اعتباره حرية شخصية”.

**جميع أسماء الطالبات مستعارة، حفاظًا على الخصوصية.

كتابة: وفاء عبد الرحمن 
قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد