قصص وشهادات السجينات تكشف عن واقع السجون اللبنانية 

سجون النساء في لبنان تروي قصصًا عن أوضاعهن داخلها. ارتباك وخوف ورقابة، هكذا باختصار كان الوضع خلال لقائي سجينات بعبدا.

عند دخول سجن النساء في بعبدا، يظهر أثر المعاناة بشكلٍ ملحوظ. تستقبلك حارسات السجن مع طفلةٍ لا يتجاوز عمرها السنتين. 

في البداية، ظننتها هنا في زيارة، أو أنها ابنة إحدى حارسات السجن، لكن اتضح لاحقًا أنها ابنة إحدى السجينات التي تمكث معها هناك. لأبدأ على أثرها استكشاف كل زاوية بالسجن بالقدر الذي استطعت رؤيته. 

فالمكان هنا ضيق مقارنة باكتظاظ السجينات، ومعتم نظرًا لانقطاع الكهرباء وعدم وصول ضوء الشمس، ورائحة الرطوبة تعلو أروقته.

بعدها تم توجيهي بأمر من مسؤولة السجن إلى غرفة، عادة تلتقي فيها الأمهات السجينات وأطفالهن، لإجراء المقابلات.

كانت حجة الحارسات أن العاملات الأجنبيات يُعتبرن “هستيريات وسيصعب التفاهم معهن”. تثير مثل هذه العبارات شكوكًا متزايدة حول كيفية معاملة العاملات الأجنبيات في السجون اللبنانية.

الطريق إلى سجن بعبدا

غرفةٌ صغيرةٌ ضيقة، لا تسع إلا ثلاثة أشخاص، وهو عدد كبير بالنسبة لمساحتها، رسمت على جدرانها شخصية كارتونية، في محاولة لكسر قتامة الغرفة. إلا أن ألوانها الباهتة والقديمة تختصر ظلمة السجن. ولولا مدخلها الزجاجي، لكانت زنزانة مغلقة وكأنها عقوبة للسجينات وأطفالهن في آنٍ واحد. 

في هذه الغرفة، أجريت المقابلات الـ4 مع سجينات بعبدا: دنيا، رنا، مهى، وراشيل. إلى جانب رناد، وهي سجينة سابقة في سجن بربر الخازن.

قابلت رناد نتيجة ملاحظتي تناقض بعض المعلومات التي قدمتها السجينات الأربعة، واقتضابهن بعض الإجابات. 

رافقتني دنيا في المقابلات الثلاث الأخرى داخل السجن، بأمرٍ من حارسات السجن. لم يكُن ذلك من باب الحماية، فالحارسة كانت متواجدة أمام ناظري في آخر الممر وفوقي كاميرا للمراقبة. لذا، أثارت شكوكي حول فرض رقابة مقنّعة ومموّهة على أسئلتي وإجابات السجينات. 

*جميع الأسماء المستخدمة في التحقيق أسماء مستعارة لحفظ خصوصية السجينات وأمانهن.

بين الامتياز والانتهاك

أحضرت دنيا ابنتها، البالغة من العمر ستة أشهر معها إلى سجن النساء في بعبدا. عادةً، تمنع السجون وجود الطفلات/الأطفال داخلها بعد عمر سنتين، لكن هذه القاعدة لا تنطبق على دنيا، بحسب ما صرحت. ربما لأن تم إخلاء سبيلها قبل عدة أشهر، ولكنها تحتاج إلى مبلغ مالي – كفالة – للخروج. أو ربما يكون السبب هو حصولها على امتيازات خاصة تختلف عن باقي السجينات، بحسب ما يتضح وما تصرح به.

″ولكن أنا لدي أبدية في إبقاء ابنتي معي، حتى لو بقيت عشر سنوات هنا، ستبقى معي…″. تؤكد دنيا أن وجود ابنتها يخفف من صعوبة السجن، خصوصًا بعد تجربتها النفسية الصعبة التي مرت بها عند دخولها السجن. ″لا أشعر أنني في السجن، فالمهم أن ابنتي معي، تخفّف عني بشاعته″.

يظل السؤال هنا حول تأثير هذه البيئة على نفسية الطفلة قائمًا. بالأخص لو نظرنا إلي كونها محاطة بسجيناتٍ متهمات بقضايا جنائية خطيرة. إضافة إلى تحديات تتعلق بصحتها، بسبب الرطوبة والاكتظاظ والعدوى التي يمكن أن تنتقل لها. 

سيما وأنها تعرضت لوعكةٍ صحيّةٍ منذ فترة، وعانت من ارتفاع حرارتها لعدة أيام، قبل أن يتم نقلها إلى المستشفى. يثير هذا الوضع قلقًا حول الظروف التي يعيش فيها طفلات/أطفال السجينات داخل السجون، ومدى تمتعهن/م بحقوقهن/م.

لكنّه يثير أيضًا تساؤلاتٍ حول سبب عدم مكوث الطفلة مع أحد أفراد عائلة السجينة، في ظلّ غياب اهتمام الدولة بتأمين دور متخصصة برعاية أطفال/ طفلات السجينات، والمشردات/ين بشكلٍ عام.

فما بين فرضية الوصمة التي تلاحق السجينات، وتخلّي عوائلهنّ عنهن، وبين فرضية غموض ظروفهنّ الشخصية أو صعوبتها، بالإضافة إلى غياب الثقة بالعالم الخارجي (خارج السجن)، تدفع طفلاتن/ أطفالهن أثمانًا باهظة.

السجون اقتصاص للأمومة وعقوبة للطفلات والأطفال

يحتكم الطفلات والأطفال لنفس العقوبات مع أمهاتهن/م، وتغفل إدارات السجون حقوقهن/م. فتشير رناد إلى ابن إحدى السجينات في بربر الخازن، والذي دخل مع والدته إلى السجن. إذ كان يقفل عليه عند الساعة الرابعة في غرفة مليئة بالسجينات على تنوع جرائمهن. 

″مثله مثل أمه. رغم أنه كان رضيعًا وتعلّم المشي داخل السجن.” تضيف رناد أنه لولا تدخل الجمعيات العاملة في بربر الخازن لتأمين احتياجاته الأساسية، لما حظي بالاهتمام.

في هذا الصدد، تستهل رناد حديثها حول تجربتها بأن ″السجينة فيكن تحرموها حريتها… متى صارت سجينة، احرموها كل شيء. بس ما فيكن تحرموا السجينة تكون أم.” واجهت رناد في بداية سجنها صعوبة في رؤية أطفالها أو التواصل المستمر معهم. 

قضت رناد شهورًا دون رؤية أطفالها، خوفًا على حالتهم النفسية. وعندما قررت رؤيتهم، سُمح لها بمقابلة من خلف القضبان، ما شكّل أذية نفسية لها ولهم. بعدها طالبت رناد أن تكون زيارتها في الغرفة التي جهزتها إحدى الجمعيات بالتعاون مع إدارة السجن لهذا الغرض. 

وعليه، أبدت إدارة السجن تعاونها وتعاطفها، في الوقت الذي تشكّل فيه رؤية السجينة لطفلاتها/أطفالها في مكان مجهز وآمن حق بديهي كان على إدارة السجن تداركه. تعمد اليوم رناد إلى بذل الكثير من المجهود لجعل ابنها الأصغر، بشكل خاص، يشعر بالأمان والطمأنينة كلما خرجت إلى عملها. إذ تسببت رؤيته لها من خلف القضبان الحديدية في صدمة يحفزّها خروجها من المنزل إلى أي مكان لا تصطحبه إليه.

أمومة خلف القضبان

أما رنا، فتشير إلى أنه عادة يأتي أطفالها لزيارتها أيام الثلاثاء أو الخميس، لكن ذلك يصبح صعبًا في أيام الدراسة. ″التقي بهم في هذه الغرفة التي نجلس بها الآن، وعادة ما تسمح لي إدارة السجن ببقائهم لوقتٍ طويل″. في بداية سجنها، اضطرت للكذب عليهم وأخبرتهم بأنها في عمل خارج البلاد، لتُبرر غيابها. ″ لاحقًا، أصبحت بحاجة لهم كما هم بحاجة لي، وبدأت أراهم مرة في الأسبوع. ″ 

رغم تماسكها الذي شعرت به في بداية المقابلة، تصف رنا لقاءها مع أطفالها والدموع تملأ عينيها مع غصة في صوتها. تقول أن اللقاء الأول كان متعبًا مليئًا بالانزعاج والارتباك لرؤيتهم لها في السجن. بعد تكرار الزيارات، تتحول هذه المشاعر إلى انتظار حماسي مليء بالاشتياق، ″أقبّل صورهم حتى موعد اللقاء التالي. ″

هناك عدة نقاط يجب التوقف عندها، ومساءلة المعنيين/ات، لا سيما وأنها تشكّل انتهاكًا إنسانيًا، فيما يتعلق بإدارة سجون النساء في لبنان. حيث يبرز من بين هذه النقاط التقاعس والإهمال في تأمين الرعاية اللازمة للطفلات/الأطفال اللواتي/الذين يرافقن/ون السيجنات. 

هذا بجانب الأذى والإساءة التي تلحق بالسجينات وأطفالهن أثناء اللقاءات حال كانت من وراء القضبان. فعدم توفير مساحات مناسبة وأماكن مجهزة أو تحديد الزيارات مع  أخذ الدوام المدرسي في الحسبان، ينتج عنه حرمان السجينات من أطفالهن/م والعكس بالعكس.

الرعاية الصحية للسجينات.. حدث ولا حرج

تجمع السجينات في بعبدا أن هناك تقصير في توفير الرعاية الصحية اللازمة، خاصة فيما يتعلق بالفحوصات النسائية الدورية. فتشير دنيا إلى وجود ممرضة دائمة تقدم العناية الطبية عند الحاجة، وفي الحالات الطارئة يتم استدعاء طبيب مختص تعينه إدارة السجن. 

وشددت على جودة الرعاية الطبية وسرعة الاستجابة في حالات الطوارئ من قبل إدارة السجن. “هون إذا بتبعتي الصبح البرقية، منكون الضهر عند الدكتور.” ولكن عندما تروي تجربتها مع ابنتها، يظهر التناقض على صعيد الرعاية الطبية المقدمة، أو سرعة الاستجابة في الحالات الطارئة.

“أصابها جفاف في جسدها، بسبب ارتفاع الحرارة التي لم تنخفض بكافة الطرق. أخبروني أن أنتظر يومين، ليتم نقلها في اليوم الثالث إلى الطوارئ.”

تشير رنا إلى أن الفحوصات النسائية تجرى أحيانًا، إذا كانت السجينات تعانين من مشاكل نسائية واضحة. وتعبر عن عدم شعورها بالأمان والخجل والقلق في حال اضطرت للخضوع لها. فهي تذهب إلى العيادة أو المستشفى مكبلة بالأصفاد أمام الجميع. 

تجدر الإشارة هنا، أنه خلال مقابلة رنا، طلبت حارسة من دنيا مرافقتنا في المقابلات الثلاث. دخلت رنا إلى الغرفة لإجراء المقابلة بعلامات تمرد واضحة على وجهها، وكأنها ستقدم إجابات تنفي كل ما قيل. لاحظت أن هناك قلق وحذر بين الحارسات، اللواتي رحن يحققن ويتهامسن مع دنيا في آخر الممر قبالتي.

وهذا ما أكدته رنا في تعليقها الساخر وتساؤلها حول سبب ذلك التوتر. كان ذلك قبل أن تعود دنيا وتخبرنا بأنها ستحضر المقابلة، وأنه بإمكاننا مواصلة الحديث ″كأنها غير موجودة″. أثر ذلك على رنا بشكل واضح من خلال ملامحها واختصارها للإجابات، وكأنها عضّت على جرحها. رغم أن الحارسات من قمن باختيار السجينات اللواتي قابلتهن.

يثير هذا الوضع قلقًا حول الظروف التي يعيش فيها طفلات/أطفال السجينات داخل السجون

العدالة الصحية غائبة داخل السجون

وحول الفحوصات المهبلية التي يخضعن لها عند دخولهن السجن، توضح راشيل أنها إجبارية للكشف عن الأمراض، بهدف حماية السجينات الأخريات من أي انتقال للعدوى. فيما تؤكد رناد، بناءً على تجربتها في سجن بربر الخازن، بأن هذه الفحوصات هي للتحقق من عدم تهريبهن لأي محظورات أو مخدرات. وتؤكد أنه خارج هذا السياق، لا تُجرى أي فحوصات إضافية.

تلفت راشيل النظر أنه لا توجد فحوصات أو علاجات تقدم بشكل دوري. أغلبها يقوم بها الصليب الأحمر اللبناني ومتعلقة ببعض الأوبئة والفيروسات، أو فيتامين د التي تقدمه لهن الممرضة. مشيرة إلى أنه في حالة حدوث طارئ صحي، يتم التواصل مع الصليب الأحمر لتأمين العلاج والرعاية الطبية اللازمة.

يحدث ذلك خصوصًا إذا كانت السجينة غير قادرة على تحمل تكاليف العلاج. أما إذا كانت لديها القدرة المالية، فيمكن لها تلقي العلاج مباشرة في المستشفى. ″ولكن إذا لم يتم تأمين العلاج، لا نعلم ما قد يحدث غير أن الممرضة تقوم بالاعتناء بها″. 

وفي هذا السياق، تشير رناد إلى التمييز والاحتكام للطبقية في التعامل مع السجينات. تشارك تجربتها عندما تعرضت وزميلتها إلى وعكة صحية حرجة بسبب ضغط الدم، خاصة وأنهن يعانين من مشاكل في القلب. ولكن لم يتم نقلهما إلى المستشفى، في حين تم نقل زميلة أخرى لم تكن في حالة حرجة كحالتهما.

تؤكد رناد أن الوضع فيما يتعلق بالرعاية الصحية صعب جدًا، بل مأساوي. فقد واجهت العديد من التحديات الصحية الجسيمة كالقلب والسكري وارتفاع ضغط الدم، خلال فترة سجنها. طلب الطبيبة في قسم الصحة العامة في السجن عدة فحوصات ضرورية لها، إلا أنها لم تتلق أية فحوصات وعلاجات. رغم أن أسرتها كانت ستتحمل جزء من تكاليف العلاج وإدارة السجن النصف الآخر. ″يعني بس يطلع الضغط، ينبح قلبها السجينة كرمال يشوفوا ضغطها. حتى حبة البنادول ليست متوفرة في السجن.”

داخل السجون.. الدورة الشهرية ممزوجة بالقهر

تعاني مهى من مرض التلاسيميا، حيث يصيبها نزيف حاد كل سبعة عشر يومًا، وتتابع الممرضة حالتها بشكل دوري وتقدم المساعدة والرعاية عند الحاجة. لكنها تشير إلى أن الأدوية التي تحتاجها ليست متاحة بشكل دائم. 

وتعبر عن خيبة أملها تجاه تراجع قدرة الجمعيات على تأمينها، مشيرة إلى ندرة الفحوصات النسائية داخل السجن، إن وجدت. ″إلا إذا وصلنا لحالة صعبة جدا″، كاشفة بأنها خضعت لهذه الفحوصات مرتين فقط عند دخولها. يثير ذلك تساؤلات حول كيف يتم ترك سجينة تعاني من مرض مزمن بدون اجراء فحوصات دورية لها

تصف مهى حالتها النفسية بأنها سيئة جداً، معبرة عن قلقها وخوفها في السجن، وكيف أنها تضطر أحياناً لاستخدام كيس نيلون لتفادي وصول الدماء إلى فراشها أثناء النوم. وبالرغم من تلك الظروف الصعبة، إلا أنها لا تتلقى أي دعم نفسي من مختصات/ين. 

إلى جانب هذا، تحتاج أحياناً إلى فوط صحية خاصة، ولكن بحسب قولها فإن دنيا، السجينة المرافقة التي أشادت بها راشيل ومهى بعكس رنا التي تظهر بأنها غير مرتاحة لتواجدها، تساعدها في توفير سراويل داخلية من تلك الحفاضات التي تصل لابنتها عبر الجمعيات، ولكن هذه الموارد أيضًا ظرفية ومتوقفة على ما تسمح به إدارة السجن.

تشير دنيا إلى أن بعض الجمعيات المعنية بالسجون في لبنان، مع منظمات دينية، تعمل على توفير المساعدات المجانية، خاصة الفوط الصحية. وذلك بشكل خاص للسجينات اللواتي لا يوجد لديهن أحد يقوم بالاهتمام بهن من خارج السجن. كما تشير إلى أن إدارة السجن، بحسب تجربتها، توفر أحيانًا هذه المساعدات، بالإضافة إلى توفير الطعام والشراب. 

أما بالنسبة لكأس الحيض والسدادات القطنية أو التامبون، تقول دنيا: “كانت هناك سجينات يستخدمن هذه المنتجات أثناء الحيض. ولكن نظرًا للنزيف الحاد خلال الحيض، توقفن عن استخدامها بناءً على توجيهات الممرضة في السجن التي أشارت إلى أنها غير فعالة لحالتهن. ومع ذلك، يُسمح بإدخالها إلى السجن.”

الحيض داخل السجن.. فقر فوق فقر

تشارك رناد تجربتها لأول دورة شهرية في سجن بربر الخازن، إلى جانب تجربة لسجينة من الجالية الإفريقية، والمتناقضتان تمامًا لجزء من إجابات سجينات بعبدا. في تجربتها، تشير إلى أنها كانت فترة جائحة كورونا، وفرض عليها الحجر الصحي لمدة 15 يومًا. لم ترَ أحدًا خلال الحجر، واصفة بأنها وصلت من مخفر حبيش واضطرت لاستخدام قميصها الداخلي بديلًا للفوط الصحية.

ورغم أن أختها كانت قد أحضرت لها ثيابًا وفوطًا صحية، إلا أن الحارسة امتنعت عن إعطائها أغراضها بحجة أنها “ممنوعات”، ودون تقديم بديل عنها. ″وصلت لوضع نفسي سيء، بقيت ستة أيام بدمائي حتى بات لدي إفرازات كثيفة غير اعتيادية… تخيلي أن تدخلين للاستحمام بمياه باردة وتعودين لارتداء نفس الملابس والثياب الداخلية خلال الحيض!″. 

أما في التجربة الأخرى، تروي رناد أنه تم وضع السجينة من الجالية الإفريقية في السجن الانفرادي على خلفية شتمها للممرضة. حينما طلبت منها السجينة مسكنًا لآلام الحيض، بينما كانت الممرضة كعادتها منغمسة بمشاهدة مسلسها التركي ولم تُعرها اهتمامًا. 

تعد إدارة سجن بربر الخازن الأفضل مقارنة مع غيرها من السجون. إذ تتابع  بعض الجمعيات أوضاع السجينات فيه، محاولة تأمين احتياجاتهن ومستلزماتهن. لكن يبقى السؤال مطروحًا حول مدى مصداقية ما قدمته وصورته لنا السجينات في بعبدا.

 

View this post on Instagram

 

A post shared by Sharika WaLaken (@sharikawalaken)

التحرش الجنسي في سجون النساء

تنقل رناد ما سمعته عن سجينات انتقلن من سجن بعبدا إلى بربر الخازن، وذلك نتيجة لطلبهن بعد تعرضهن للتحرش من قبل بعض العساكر خلال أدائهن لمهام التنظيف. مشيرة إلى أنه عادةً يتم توزيع أدوار التنظيف بشكل إجباري وبدون بدل مادي على السجينات.

في سجن بربر الخازن، عادة ما يتم إرسال العاملات الأجنبيات لأعمال التنظيف عند العساكر، بينما في سجن بعبدا، يتم إرسال السجينات بغض النظر عن جنسيتهن.

تعرب رناد عن شبه يقين فيما سمعته حول قضايا التحرش الجنسي في بربر الخازن، وذلك استنادًا إلى ردود الفعل التي شاهدتها من العاملات الأجنبيات. وأيضًا بناءً على ما شاركتها إياه إحدى السجينات الأجنبيات اللواتي يتقنّ اللغة العربية. أكدت أن العاملات اللواتي يتوجهن لأداء التنظيف عند العساكر كن يتشاجرن ويتقاذفن الأدوار بين بعضهن، بسبب رفضهن الذهاب لأداء تلك المهام. 

“وهذا كله ليس إلا دليل يؤكد أن شيئا كان يحدث معهن. كنا نفرح عندما يطلب إلينا شطف النزهة وتنظيفها. بالنسبة إلينا، كانت فرصة للعمل خارج غرف السجن، وكان يسمح لنا بالبقاء لوقت أطول في الخارج.″

تمييز وعنصرية ضد السجينات المهاجرات

ونظرًا لوجود الشكوك حيال احتمال وجود انتهاكات مضاعفة يمكن أن تتعرّض لها السجينات الأجنبيات، طلبت إذن لمقابلة إضافية لإحدى العاملات الأجنبيات في سجن بعبدا. قامت دنيا، والتي كانت مستعدة للمساعدة، بالاستفسار من الحارسات المتواجدات في إدارة السجن. ولكن تم رفض طلبي.

كانت حجة الحارسات أن العاملات الأجنبيات يُعتبرن “هستيريات وسيصعب التفاهم معهن.” تثير مثل هذه العبارات شكوكًا متزايدة حول كيفية معاملة العاملات الأجنبيات في السجون اللبنانية، ومدى الظلم والتمييز الواقع عليهن. 

بناءً على ما تم طرحه، يتعين على الجهات المختصة إجراء تحقيقات في الانتهاكات المحتملة في سجون النساء، وخاصة مع ملاحظة الإهمال والتقاعس في تنفيذ المواد القانونية المتعلقة بتنظيم السجون. كما ينبغي إحداث تعديلات وإقرار قوانين جديدة وحديثة، فيما يتعلق بالعاملات الأجنبيات. تغيب المساءلة حول مصيرهن في بلد يحتكمن فيه لأكثر الأنظمة العنصرية والتمييزية، وهو نظام الكفالة.

يُحيط بسجن النساء العديد من القصص التي يصعب تضمينها في هذه السطور، بعضها مخفي وبعضها يتسم بالخوف والقلق والتساؤلات. ولكن الواقع المؤكد هو أن العديد من الصور التي شهدتُ عليها خلال زيارتي لسجن النساء في بعبدا، تخبر بعضًا من هذه القصص.

مَن يسمع أصوات النساء في السجون اللبنانيّة؟

على الرغم من قصر المدة الزمنية، إلّا أن العين استطاعت التقاط الكثير من التفاصيل. يفتقر السجن لأدنى المقومات الحقوقية والإنسانية، فلا غرف مخصصة للقاءات الطفلات/الأطفال بأمهاتهن/م، ولا ضوء يصل إلى ممرات السجن. 

غرفة سجن لم ألمح سوى جزءًا صغيرًا منها، ولا أعلم إذا كانت دنيا قصدت أن تُريني الغرفة عن قصد أم مجرد تقصيرٍ منها في مهام مراقبتي أثناء المقابلات. ولكن الواقع الذي أعلمه هو أن حالة الفرش والغرف كانت سيئة ومتسخة تلخص صورة واحدة من البؤس. 

هناك انتهاكات لحقوق السجينات في الرعاية الصحية، دون متابعة جادة للوضع في حالات العدوى. هذا إلى جانب التمييز والطبقية بين السجينات، أو ربما محاولتهن التعايش في وسط كل هذا العالم المظلم.

فرغم امتيازات دنيا، ورغم وجود التساؤلات المحيطة بها، يمكنني قراءة أن امتثالها لأوامر الحارسات، ليس إلا محاولة لمنع انسلاخها عن ابنتها. ويعزى ذلك إلى غياب قوانين في لبنان تنظم هذا الجانب. وعلى وجه الحق، يعتبر قرار الإبقاء على الأطفال والطفلات مع أمهاتهن/م في السجن متروكًا لمزاجية إدارة السجن.

خلاصة، فإن هناك انتهاكات واضحة لحقوق السجينات، ومن المرجح أن تتفاقم مع تفاقم الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المحيطة في البلد. وعليه، لا بد من تسليط الضوء على كل التحديات الصعبة داخل سجون النساء في لبنان. أما بعد، “فأكيد بيخلص هالكابوس″.. عبارة كفيلة أن تختصر وتعبر عن كل المشاعر السلبية والخوف وكل ما ورد وما لم يرِد في هذه المادة.

 

كتابة: جويل عبدالعال

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد