“جملة في أغنية”.. “لو كنت مكانها”.. كيف نغير السرديات المهيمنة بطريقة مرحة؟

لطالما كانت السرديات الأبوية المهيمنة عائقًا في طريق النضال النسوي. إذ تترسخ في الوعي الجمعي بشكلٍ عميق يستحيل معه تحقيق أهداف النسوية من دون تفكيك وتحليل هذه السرديات.

تستهدف المدارس النسوية المختلفة، تفكيك السرديات من مناظير تقاطعية. حيث تعطي أولوية للوقوف على أسباب انتشار وهيمنة السرديات. ومنه، تنطلق نحو تفكيكها وخلخلتها، وإحلال المنظور النسوي مكانها.

يساهم وعينا النسوي التقاطعي في نقد هيمنة السرديات بوصفها “حقائق” أحادية تم خلقها وتعميمها من قبل المنظومات الأبوية والرأسمالية الاستعمارية. ويُفسح المجال لـ”حقائق” أخرى، وواقعٍ آخر ثري ومتعدد، تغفله هذه الأنظمة عن عمد.

من هنا يأتي التزامنا النسوي، ليس فقط بالتصدي للقمع ومأسسة العنف. إنما أيضًا بنقد السرديات التي تخلق واقعنا وتُغذي العنف ضدنا.

تبدأ معكن/م منصة “شريكة ولكن” فقرتين بعنوان: “جملة في أغنية”، و”لو كنت مكانها”.

السرديات المهيمنة.. ما هي؟

السرديات المهيمنة باختصار، هي كل الأفكار والممارسات المترابطة التي نشأنا عليها حتى أصبحت جزءً من معرفتنا الإنسانية.

السردية هي وسيلة النظم السياسية والاجتماعية الاقتصادية في خلق واقع وحقيقة ما، تخدم وجودها واستمرارها. وتكون هذه السرديات مهيمنة، مرة لأن مَن خلقها هو النظام نفسه. ومرة أخرى، لأنها متشعبة ومترسخة داخل الأفراد والجماعات الواقعات/ين تحت سطوة هذا النظام.

السرديات المهيمنة هي الطريقة التي يتم بها التطبيع مع القمع والاضطهاد واعتبارها أمورًا “عادية وطبيعية”. وتتجاوز هذا، إلى محو وتهميش أي سرديات أخرى لا تخدم أهداف القمع وتعميق الاضطهاد.

فكما تقوم الأنظمة القمعية على أكتاف الفئات التي تهمّشها وتُقصيها بطرق مباشرة مثل السياسات والقوانين. تقوم كذلك بالتطبيع مع هذا القمع بطرقٍ غير مباشرة.

تُعد السرديات إحدى أهم هذه الأدوات التي لا يتم بها ممارسة عنفًا مباشرًا، لكنها تعمّق العنف وتفرضه كأمرٍ مُسلّم به، ولا مساحة داخله، أو خارجه، لنقد العنف والقمع.

من هذه الوسائل: الموسيقى والدراما.

فقرة “جملة في أغنية”.. إحلال الذكوري بالنسوي

نستهدف من هذه الفقرة مواجهة السرديات الأبوية المترسخة في الموسيقى والأغاني.

في هذه الفقرة، ننشر جملة من أغنية سمعناها وربما أحببناها وعلقت في أذهاننا. لكن هذه الأغنية، أو جملة منها، تطبع العنف ضد النساء والفتيات. أو تغذي مفاهيم أبوية عن الشراكات العاطفية المغايرة.

فهناك أغنيات مثلًا، نجد فيها المطربة خاضعة للحبيب أو الشريك، تحت مسمى الحب. أو يتحكم بها الشريك الغيري، تحت مسمى الغيرة. أو تزرع داخل الفتيات الصغيرات تبريرات للعنف وتجعله مقبولًا، ومرحبًا به.


عندما نعرض جملة من هذه الأغاني التي لا حصر لها، نطلب من المتابعات/ين، خاصة النساء والفتيات، أن يستبدلن الجملة الذكورية، بجملة نسوية على نفس الوزن والقافية. أو على أقل تقدير، استبدالها بجملة لا تقوم بترسيخ العنف وجعله مقبولًا.

من خلال تفاعلنا معًا، نبني سردية موازية للسردية المهيمنة المطبعة مع العنف. نقوم بعملية إحلال وتبديل للذكوري بالنسوي والإنساني.

ومن خلال ذلك، نتعلم مع بعضنا البعض، كيف نرفض ونتصدى لأي واقع، لم نختره ولم نحدده بأنفسنا. ونفتح آفاقًا نحو خلق مجتمعات تعلو فيها أصوات النساء والمهمشات/ين، على أصوات القامعين.

فقرة “لو كنت مكانها”.. وبناء السرديات النسوية

نستهدف من هذه الفقرة مواجهة سردية أبوية ذكورية تم تمريرها في مشهد درامي.

في هذه الفقرة، نعرض مشهدًا من عمل درامي شاهدناه وربما أعجبنا ووجدنا أنفسنا في بعضٍ من شخصياته.

لكن أغلب الأعمال الدرامية الناطقة بالعربية، تأتي في ظل الأبوية. تتلحف بخطاباتها، وتغذيها، وترسخها. حتى أنها أصبحت إحدى أهم السبل الأبوية في تطبيع العنف ضد النساء والفئات المهمشة.

“جملة في أغنية”.. “لو كنت مكانها”.. كيف نغير السرديات المهيمنة بطريقة مرحة؟


عندما نعرض مشهدًا من هذه المشاهد، نطلب من المتابعات/ين، خاصة النساء والفتيات، أن يتخيلن أنفسهن بطلات المشهد. وأن يقومن باستبدال الجمل الذكورية أو العنصرية، بأخرى نسوية وإنسانية وتعددية.

من خلال ذلك، نحفز مهاراتنا الإبداعية، ونقوم ببناء سردية لا تكون الخطابات الذكورية منبعها أو مبتغاها.

فعندما نتخيّل أنفسنا مكان بطلة المشهد، نساعد أنفسنا والأخريات في خلق واقع بديل للواقع العنيف الذي يقمعنا، ونبني بأنفسنا سردياتنا المعتمدة على الإبداع والخيال، ومحورها الخطاب النسوي.

المرح والسخرية أدوات نسوية أيضًا

عندما قررنا إضافة المرح على خطابنا النسوي، لم نكن الأوليات. فقد اعتادت النسويات استخدام أدوات مختلفة لمواجهة النظم القمعية والاستبدادية، منها الفن والسخرية.

وها نحنُ، على خطى النساء اللواتي سبقننا باستخدام المرح، نحذو حذوهن. وتحذو حذونا أجيال النسويات القادمة اللاتي سيُثرين تنويع أدوات الخطاب النسوي.

فالمرح، لا ينفي جدية الخطاب. ولن ينفي مجهوداتنا الأخرى في مواجهة قامعينا. لكنه بالتأكيد، يجعل رحلتنا النسوية أكثر امتاعًا وثراءً.

نوظّف المرح لخدمة غاياتنا. فنحنُ قاتلات بهجة الأبوية، وباعثات البهجة النسوية.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد