“غرزة الزوج”.. جريمة على طاولة الولادة

“إما الولادة القيصرية أو غرزة الزوج”، مع تهديد بالطلاق في حال الرفض. كانت تلك خيارات مروة، قبيل ولادتها من زوجٍ يعتقد أن الولادة الطبيعية ستؤثر على استمتاعه الجنسي.

“غرزة الزوج”، هي وضع غرزة إضافية قرب فتحة المهبل تتم بعد الولادة الطبيعية عادة، بدعوى تحقيق الرضا الجنسي للشريك الرجل.

يتم ذلك الإجراء غير الطبي وغير الأخلاقي دون دليلٍ علمي أو إرشادات طبية، ويحدث غالبًا دون موافقة النساء أو علمهن، أو تحت الضغط.

رغم أن المتعة الجنسية مسؤولية مشتركة، فإن النساء غالبًا من يتلقين اللوم والمطالبة باتخاذ إجراءات “لإصلاح المشكلة”، وإن كانت على حساب سلامتهن الجسدية والنفسية.

صدمة ما بعد “الغرزة”

بينما كانت سلمى، تستجمع طاقتها للولادة، شعرت بألمٍ شديدٍ مع شق الطبيب منطقة العجان لديها. شق العجان هو شقٌ جراحيٌ بين فتحة المهبل والشرج، لتسهيل عملية الولادة.

اعتقدت سلمى، أنها أتمت مهمتها ويمكنها أن ترخي جسدها المنهك قليلًا. ولكنها فزعت على ألمٍ آخرٍ. حيث فوجئت بالطبيب يقوم بخياطة الجرح، دون مسكنٍ للألم. وحين صرخت، قال: “كام غرزة وترجعي عروسة”.

بعد هذه “التروما”، حاولت سلمى ممارسة العلاقة الجنسية مع زوجها. إلا أنها أصبحت مؤلمة بالنسبة إليها. ومع كل محاولةٍ، تقل رغبتها الجنسية بسبب الألم، حتى بدأت تفزع من احتمالية حدوثها.

بعد استمرار المحاولات، لجأت سلمى إلى طبيبة نساء وتوليد. بدورها، أخبرتها الطبيبة أن غرزة إضافية تمت خياطتها بعد الولادة، ما تسبب في ضيقٍ مبالغٍ به لفتحة المهبل. واستطردت الطبيبة أن هذه “الغرزة” هي سبب الشعور بالألم، وإصابتها بالالتهابات المهبلية.

تمثل سلمى، وغيرها، دليلًا على تعرّض النساء لمجموعة من أشكال العنف والتمييز القائم على النوع الاجتماعي. إذ تعرضهن للخطر، وتشويه الأعضاء الجنسية، وانتهاك حقوقهن في السلامة الجسدية، وحرمانهن من الحق في الموافقة المستنيرة. كما تنتهك استقلاليتهن الجسدية والجنسانية.

تعرف “منظمة الصحة العالمية”، تشويه الأعضاء التناسلية/الجنسية الأنثوية بأنه: “جميع الممارسات التي تنطوي على إزالة الأعضاء الجنسية الخارجية بشكلٍ جزئيٍ أو تامٍ. أو تتسبب في إصاباتٍ أخرى بتلك الأعضاء بدواعٍ لا تستهدف العلاج. فهل يتم تجريم “غرزة الزوج” كأحد أشكال تشويه الأعضاء التناسلية والجنسية؟

طبيبة نساء: “ممارسة ذكورية شائعة”

في حديثٍ خاصٍ لـ”شريكة ولكن”، سألنا ياسمين أبو العزم، أخصائية أمراض النساء والتوليد، عن “غرزة الزوج”، أو “غرزة بابا”. إذ أوضحت أن “المهبل يتكون من طبقة عضلات عميقة وأخرى خارجية، ثم الطبقة الخارجية وهي الجلد”. والأخير هو الذي يجري تضييقه بما يتم تسميته “غرزة الزوج”. وهو ما يعني، حسب وصفها، “ضعف العضلات الداخلية مع ضيق الجلد الخارجي، وفقدان مرونته وقابليته للتمدد”.

كما شددت على “عدم وجود أي داعٍ طبيٍ لإجراء تلك الغرزة، وأنها ليست إجراءً طبيًا من الأساس. حيث تمثّل انتهاكًا لأجساد النساء وللقواعد الطبية، مشيرة إلى أن الأطباء الرجال أكثر تطوعًا للقيام بذلك الإجراء. وأنه عادةً ما يحدث دون علم النساء لـ”مجاملة أزواجهن”، وفي بعض الحالات دون علم الزوج أيضًا”.

أكدت ياسمين أبو العزم أن “غرزة الزوج” لا تحقق الهدف المزعوم منها، بل إنها تزعج كلا الطرفين. فـ”الزوجة لا تشعر بالاستمتاع، بل وتعاني من الألم الشديد الذي يدفعها للعزوف عن ممارسة الجنس. أما الزوج، فيشعر بضيق جلد المهبل مع ضعف عضلاته الداخلية، ما يسبب عدم الارتياح، ولا يحقق الرضا الجنسي لأيهما”.

وكشفت عن أنه “جرت العادة على عدم أخذ موافقة النساء على هذا الإجراء، وأنه يتم “مجاملة للرجال” على حساب أجساد النساء”.

ولفتت إلى أنه “واحد من بين العديد من الممارسات الذكورية الشائعة في الرعاية الطبية للنساء”.

 

تهديدٌ بالطلاق.. إما الولادة القيصرية، أو “الغرزة”

كانت مروة، في زيارةٍ لطبيبتها برفقة زوجها لمتابعة الحمل، حين سألت عن إمكانية أن تلد ولادة طبيعية. ولكنها فوجئت بالطبيبة توجه حديثها إلى الزوج، حول أضرار الولادة الطبيعية على “المنطقة”، إشارةً إلى المهبل.

واستفاضت الطبيبة لـ”التأكيد على أن الولادة الطبيعية تتسبب في اتساع المهبل، ومشكلات جنسية قد تؤدي إلى الطلاق”، بحسب مروة. ثم “تحدثت عن شق العجان، وأنه سواء في حالات الولادة الطبيعية أو القيصرية سيكون هناك جرح. ولكن جرح القيصرية لن يؤثر على حالة المهبل”!

غم أن الطبيبة تعلم، بلا شك، مضاعفات الولادة القيصرية على النساء والمواليد، فلم تذكرها مطلقًا. كما لم تتحدث عن أية مضاعفات محتملة للولادة الطبيعية أيضًا. وأكدت مروة أنها “لم تذكر سوى التأثير على فتحة المهبل من أجل ممارسة الجنس”. هذا النهج وفقًا للمنظور الأبوي، يعتبر النساء أداة إمتاع جنسي لأزواجهنّ.

لم تشغل الطبيبة بالها بسلامة مروة الجنسية والإنجابية، أو قرارها، أو مجرد توجيه الكلام إليها بوصفها صاحبة الشأن والقرار. إنما اختارت الطريق المختصر حين وجّهت حديثها إلى الزوج، رغم أن قرار الولادة يرتبط ويخص جسد الزوجة. بل وقررت أن تستغل الثقافة والسلطة الأبوية للشريك الذي يعتقد أن المهبل الضيق هو السبيل الوحيد لتحقيق الرضا الجنسي، ليوجه زوجته نحو الولادة القيصرية.

عنف طبي من أجل “رجل طيب”

جدير بالذكر أن اعتقاد الطبيبة بملكية الرجال لأجسام النساء ممارسة متكررة في إطار العنف الطبي ضد النساء.

وعليه، فالعمليات المرتبطة بالدور الإنجابي للنساء، كالتوليد والإجهاض، وربط قناتي فالوب (أي قناة الرحم، وهي قناة مزدوجة عبارة عن أنبوب يصل بين المبيض والرحم)، تتطلب في أغلب الحالات الحصول على موافقة الأزواج في المستشفيات العامة والخاصة.

توترت مروة من أداء الطبيبة، وسألتها إذا كانت حالتها الصحية تسمح بأن تلد طبيعيًا. فأكدت الطبيبة أنه لا يوجد مانع لتوليدها طبيعيًا حتى ذلك الوقت. وأضافت “بتفضّلٍ” أنها إذا أصرت على الولادة الطبيعية، فستقوم بإجراء “غرزة تجميلية” لتضييق المهبل، متابعة: “عشان خاطر الراجل الطيب ده”.

لم تطرح الطبيبة أمر تضييق المهبل والغرز التي أطلقت عليها “تجميلية”، لتحصل على موافقة مروة، أو تناقشها في الهدف منها أو أسباب إجرائها. لكنها طرحتها في إطار المنحة الجنسية للرجل “الطيب”.

حينئذٍ، أصر “الرجل الطيب” أن تلد زوجته ولادة قيصرية، وأن تبقى على “حالتها”، لضمان عدم حدوث تغييرات على العلاقة الجنسية. إما ذلك، وإما أن تقبل إجراء “غرزة الزوج”. تحت الضغط الذي وصل لتهديدها بالطلاق، اضطرت مروة أن تخضع لولادة قيصرية دون داعٍ طبيٍ.

الرجال يكبرون على أن قيمتهم تكمن في أدائهم الجنسي. لذلك، لا يعترف أغلبهم بأنهم قد يحتاجون إلى زيارة طبيب/ة، أو حتى التفكير في أن شريكاتهم لسن السبب في عدم رضاهم الجنسي.

النساء لسن أوعية جنسية

أصيبت مروة بمضاعفاتٍ بعد ولادتها القيصرية غير الضرورية، ووضعت طفلة تعاني من مشكلات تنفسية استلزمت حجزها بحاضنة لعشرة أيامٍ.

تعرضت مروة وطفلتها لمضاعفاتٍ صحيةٍ، وتم تعريض سلامتهما الجسدية للخطر. مروة هي واحدة من حالات كثيرةٍ واجهت فيها النساء عنفًا توليديًا وعنفًا قائمًا على النوع الاجتماعي، فقط لأن رجلًا قرر أن متعته الجنسية هي الأولوية. علاوةً على طبيب/ة قرر/ت أن تغازل الفكر الأبوي، لتحقق هدفًا ربحيًا بتوجيه النساء للولادة القيصرية.

أثناء حديثها مع “شريكة ولكن”، أكدت الطبيبة ياسمين أبو العزم أن “الولادة الطبيعية ليست السبب في اتساع المهبل”، وأن “أسباب ضعف عضلات الحوض وعضلات وأربطة المهبل متعددة. ومن هذه الأسباب الولادة القيصرية، والولادة الطبيعية بإجراءات خاطئة، وبعض المشكلات الصحيّة كالإمساك المزمن، والكحة الشديدة”.

وإن كانت تلك مشكلة تزعج النساء، فـ”الحل ليس إخضاعهن دون إذن لجريمة “غرزة الزوج”، أو توجيههن للولادة القيصرية. وإنما تقوية عضلات الحوض والمهبل بعلاج أسباب ضعفها، واتباع نظام غذائي صحي، وممارسة التمارين المناسبة”.

وأشارت ياسمين أبو العزم إلى أن “خضوع النساء اللاتي تلدن للمرة الثانية والثالثة لشق العجان، هو أحد الدلائل على تعرضهن لتضييق مبالغ به للمهبل في الولادات السابقة”.

وأضافت أن “التعامل مع النساء بوصفهن أوعية جنسية يجب “تكييفها” لإرضاء الرجال، هو الفكر الشائع لمن يقمن/ون بذلك الإجراء”.

في هذ السياق، انتقدت المقررة الخاصة المعنية بالعنف ضد النساء لدى “الأمم المتحدة”، “دوبرافكا سيمونوفيتش”، في تقرير لها بشأن عنف الولادة، شق العجان أو توسيع المهبل الروتيني أثناء الولادة.

إذ اعتبرته “أحد أشكال العنف والتعذيب والمعاملة اللا إنسانية وغير المهنية، إذا لم يكن ضروريًا أو تم بدون موافقة صريحة من النساء أنفسهن”.

كما وثق التقرير، تعرض نساء لعملية تخييط شديد بعد عمليات توسيع المهبل التي تتم أثناء الولادة. وهو الإجراء الذي يعرف باسم “غرزة الزوج”، معتبرة هذه الممارسة هي “نتاجًا للقوالب النمطية الأبوية، وعدم تكافؤ العلاقات بين الرجال والنساء”.

المتعة الجنسية عملية تشاركية لا تتحقق بـ”الغرزة”

كانت أسماء تستعد لولادتها الثانية، حين قررت أن تبحث عن حلٍّ لزوجها الذي يلقي عليها مسؤولية عدم استمتاعه بالعلاقة الجنسية، مبررًا ذلك باتساع مهبلها وأنه لم يعد ضيقًا كما كان منذ ولادتها. وهي الفكرة التي رسخت في ذهن أسماء، مع تكرار سماعها.

زوج أسماء ليس الرجل الوحيد الذي يُلقي مسؤولية تحقيق المتعة الجنسية على كاهل شريكته، بسبب مفاهيم الرجولة السامة التي تنتشر بين الرجال.

من هنا، تبدأ الفكرة الأبوية أن النساء مسؤولات بشكلٍ رئيسيٍ عن تحقيق المتعة الجنسية. ذلك بالإضافة إلى النشأة الأبوية على الشعور بالخزي في حالات أمراض الذكورة، لأن الرجال يكبرون على أن قيمتهم تكمن في أدائهم الجنسي. لذلك، لا يعترف أغلبهم بأنهم قد يحتاجون إلى زيارة طبيب/ة، أو حتى التفكير في أن شريكاتهم لسن السبب في عدم رضاهم الجنسي.

وأسماء كذلك ليست المرأة الوحيدة التي تشبعت بأفكارٍ أبوية حول ضرورة ضيق المهبل، من أجل تحقيق المتعة الجنسية. فالنساء يكبرن أيضًا على تلك المفاهيم، وأن الإشباع الجنسي مسؤولية نسائية شأنه شأن العمل الرعائي والمنزلي.

سألت أسماء طبيبها المتابع عن إمكانية خياطة غرزة أو اثنتين، لتضييق مهبلها أثناء الولادة. وبعدما رفض الطبيب، مؤكدًا أنه إجراءٌ غير طبي، قررت أن تبحث عن طبيب/ة ي/توافق على إجرائها.

رغم أن المتعة الجنسية مسؤولية مشتركة، فإن النساء غالبًا من يتلقين اللوم والمطالبة باتخاذ إجراءات “لإصلاح المشكلة”، وإن كانت على حساب سلامتهن الجسدية والنفسية. بينما يتم تجاهل دور الرجل تمامًا ومسؤوليته أو أداءه الجنسي، وحتى صفاته الجسدية.

“صوت”.. عقبات على طريق المحاسبة

مؤخرًا تبنت مبادرة “صوت” لدعم حقوق النساء حملة للتوعية بالحقوق الجنسية والإنجابية للنساء. بهدف رفع وعي النساء والطواقم الطبية بشأن العنف التوليدي وأشكاله المختلفة، ومن بينها “غرزة الزوج”.

نهى سيد، المحامية والمدير التنفيذي لـ”صوت”، قالت لـ”شريكة ولكن”، إن “غرزة الزوج” هي “جريمة تشويه للأعضاء التناسلية للنساء. وأوضحت أنها قانونًا تمثل تحكمًّا بجسد الغير وهو أحد أشكال الاتجار بالبشر”. فتعتمد “صوت” على هذه المقاربة خلال حملات التوعية على منصاتها بمواقع التواصل.

عبر “صوت”، تقوم نهى بتشجيع النساء اللاتي تعرضن لأحد أشكال العنف التوليدي ومن بينها “غرزة الزوج”، على الملاحقة القانونية لمرتكبي تلك الجرائم. كما تقدم “صوت” الدعم القانوني لهن، لإيمانهن أن الإفلات من العقاب والملاحقة يشجع استمرار تلك الانتهاكات.

ولكنها تشير أيضًا إلى العقبات المتعددة التي تواجه النساء، حال محاولتهن اللجوء للملاحقة القانونية. والتي تتضمن ضعف الوعي المجتمعي، وصعوبة إثبات الضرر، والوصم المجتمعي للنساء. وكذلك عدم مراعاة القائمين/ات على تحرير البلاغات لخصوصية قضايا النساء اللاتي تعرضن لهذا النوع من العنف.

اليوم.. تتلقى سلمى علاجات منذ أكثر من عامين. تحسنت حالتها الجسدية قليلًا، ولكنها لا زالت تشعر بالغضب لقيام الطبيب بإجراءٍ غير طبي دون علمها وموافقتها، وإخضاعها لشق وخياطة دون مسكنٍ للألم.

أما مروة، فتحاول التعافي من اكتئاب ما بعد الولادة، الذي زاد من حدته شعورها بالذنب لأنها خضعت لضغوط زوجها وطبيبتها ووضعت بولادة قيصرية دون داعٍ، عرضتها وطفلتها للخطر.

بينما حصلت أسماء على “الغرزة” التي طلبتها لدى ولادتها مع طبيبٍ آخر، هنأها بنهاية العملية: “رجعتك عروسة” – أي ذات مهبلٍ ضيقٍ. وبعد عامٍ من إجرائها، تتألم أسماء مع كل مرة تمارس فيها الجنس، ويواصل زوجها التذمر.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد