المجرمون على نظرائهم يقعون.. عندما يدافع المعتدون جنسيًا عن جرائم الإبادة

أكثر من تسعين يومًا مضت على جرائم إبادة يشنها العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة. متسمّرات/ون أمام شاشات هواتفنا، نتصّفح إلى ما لا نهاية محتوى وسائل التواصل الاجتماعي. نتجرّع آخر الفظائع التي تلمّ بشعب فلسطين.

إبادةٌ جماعية تُرتكب أمام ناظرنا على شاشات التلفزة ولا وجود لعواقب تذكر على الجناة.

أخيرًا، يبدو أن دولة جنوب إفريقيا أعطت بصيصًا من الأمل لإمكانية إجراء محاسبة قانونية لهذه الجرائم المروعة. حيث تُقاضي إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، بتهم انتهاك اتفاقية منع وعقوبة جريمة الإبادة.

في معركة العقود الثمانية التي كانت فيها العين تقاوم المخرز، مَن سينتصر: داوود أم جالوت؟

الإبادة الجماعية.. جريمة حرب

إنه لقرار تاريخي لجنوب إفريقيا. إذ تعتبر المرة الأولى التي تقرر فيها دولة مقاضاة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة. لكنها ليست أوّل مرة يُقدم فيها ادّعاء ضد الكيان الصهيوني للمحكمة العدل الدولية.

ففي عام 2004، أصدرت المحكمة رأيًا استشاريًا بشأن بناء جدار في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بوصفه مخالفًا للقانون الدولي. إلا أن إسرائيل ضربت الرأي بعرض الحائط وأمعنت ببناء الجدار، متجاهلةً كعادتها أي قرارٍ دولي.

منذ أن تقدمت جنوب إفريقيا بالدعوى المكونة من 84 صفحة أمام محكمة العدل الدولية، حصلت القضية على دعم من الأردن وماليزيا وتركيا وبوليفيا. 

وتعتبر محكمة العدل الدولية، التي تأسست في يونيو 1945، هيئة الأمم المتحدة القضائية، التي تسوّي النزاعات بين الدول.

يُشار إلى أن الجزء الأصعب في هذه القضية هو إثبات النية الإبادية، على الرغم من أن المسؤولين الإسرائيليين لم يوفّروا جهدًا لمنح العالم، جهارًا، تصريحات وافية تثبت تلك النية. وهي التصريحات التي ضمّنتها دولة جنوب إفريقيا في دعواها ضد دولة الاحتلال.

إبادةٌ على الهواء..

استهدف الكيان الصهيوني الصحافيات/ين عمدًا، لتضليل الرأي العام العالمي والتغطية على جرائمه. لكن المحكمة لن تتمكن من تجاهل المجازر الموثّقة، ومنع المساعدات، واستخدام التجويع سلاحًا للحرب، والتهجير القسري، والتدمير المقصود للمرافق الصحية والأماكن المقدسة.

يبدو أن دعوى جنوب إفريقيا مُحكمة الجوانب، مع فريقٍ قانونيٍّ بقيادة البروفيسور في القانون الدولي وقانون حقوق الإنسان جون دوغارد. كان دوغارد مقررًا خاصًا سابقًا في الأمم المتحدة، ويحظى باحترامٍ كبير.

وقد تشمل عواقب الدعوى، المزمع بدء إجراءاتها في 11 كانون الثاني/يناير 2024، فرض عقوبات على إسرائيل. إذ تلزم اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة جميع الدول الـ153 التي صادقت عليها بالمسؤولية لمنع الإبادة. ويمكن أن يشكل إصدار حكم ضد إسرائيل ضربة موجعة للدولة المجرمة. فمن سيمثل إسرائيل في هذه القضية المصيرية أمام محكمة العدل الدولية؟

“اكذب واكذب واكذب.. حتى يصدّقك العالم”.

من الاعتداء الجنسي إلى جرائم الإبادة..

من المفيد الإشارة إلى أنه تم اختيار المحامي الأميركي آلان ديرشوفيتز لتمثيل إسرائيل في الدعوى القانونية أمام محكمة العدل الدولية.

ديرشوفيتز، الصهيوني المتحمّس، كتب العديد من الكتب حول إسرائيل. بما في ذلك: “دفاعًا عن إسرائيل”، و “الحرب ضد اليهود”، و”السبيل لإنهاء بربرية حماس”.

كان ديرشوفيتز أستاذًا في القانون بجامعة هارفرد قبل تقاعده في العام 2013. كما مثّل قانونيًّا عددًا من المشاهير في العديد من القضايا الجنائية البارزة، بما في ذلك قضية أوجيه سيمبسون. كذلك كان جزءًا من الفريق القانوني الذي مثّل دونالد ترامب أثناء محاكمته الأولى. والأخطر، أنه كان المحامي الرئيسي لجيفري إبستين في قضايا الاتجار بالجنس واستغلال القاصرات.


بعد الكشف عنها مؤخرًا، أظهرت الوثائق المتعلقة بقضية إبستين أن آلان ديرشوفيتز نفسه متّهم باغتصاب قاصرة لعدة مرات، من خلال حلقة الاتجار الجنسي المنظمة التي قام بها إبستين. فضلًا عن كونه شاهد عيانٍ على اعتداءاتٍ جنسية على قاصرات، بحسب شهادات الناجيات اللواتي أعلن هويتهن.

وفي استعراضٍ بالغ الوقاحة للاستحقاق الأبوي الأبيض والقدرة على الإفلات من العقاب، وبينما كانت اتهامات الاعتداء الجنسي تنهال عليه من كل حدبٍ، لجأ ديرشوفيتز إلى منصة “تويتر”، “إكس” حاليًّا”، للدفاع عن مقال كتبه عام 1997. إذ شكّك في شرعية قوانين الاغتصاب، داعيًا إلى تخفيض سن الجنس الرضائي إلى أربعة عشر عامًا.

وأخيرًا، جاءت وقاحته في الادعاء بأن الحركة النسوية العالمية خذلت ادعاءات ضحايا الاعتداء الجنسي على الإسرائيليات في عملية طوفان الأقصى. في حين أنه لا توجد شهادات لناجياتٍ تثبت هذه الجرائم لتدافع عنها الحركة النسوية، في الأساس.

في المقابل، هناك فعليًا أدلة شاسعة ودامغة عن شهادات ناجيات تحت القسم تثبت اعتداء ديرشوفيتز على القاصرات. كما توضح بأن تكتيكاته القانونية متناغمة تمامًا مع تكتيكات إسرائيل، وأولها: “اكذب واكذب واكذب.. حتى يصدقك العالم”.

الاستغلال الجنسي سياسة إسرائيلية

إذا ما أخذنا بعين الاعتبار التحقيقات العديدة حول كون إسرائيل ملاذًا آمنًا للبيدوفيليين (المعتدون جنسيًا على الطفلات/الأطفال)، بما في ذلك التقارير المعمّقة التي نشرتها صحيفة هآرتس، وتايمز أوف إسرائيل، وشبكة سي بي إس الإخبارية، فمن المنطقي أن يكون المحامي الأول عن إبستين البيدوفيلي، والمتهم هو نفسه بالاعتداء الجنسي على قاصرات، هو أيضًا من اختيار إسرائيل لتمثيلها أمام محكمة العدل الدولية.

لكن ما يجعل هذا السيناريو برمّته أكثر قذارة هو ادعاءات أطلقها عميل الموساد السابق آري بن ميناشي عام 2020. عندمت صرّح أن غيزالين ماكسويل، وكذلك جيفري إبستين، كانا يعملان لصالح الحكومة الإسرائيلية. ماكسويل هي رفيقة عمر جيفري وشريكته في عملية الاتجار بالجنس، وابنة روبرت ماكسويل، العميل الإسرائيلي.

يقول آري إن عملية إبستين بأكملها كانت مصممة لتكون بمثابة نوع من “فخ العسل”.

في الواقع، كانت هذه “عملية استخباراتية لإيقاع السياسيين الدوليين في شرك جنسي، ليصبحوا أدوات تعمل لصالح لإسرائيل”، كما يقول آري.

ومع تواتر أسماء مثل بيل كلينتون ودونالد ترامب المعروفان بخدمة مصالح إسرائيل، ليس من الصعب تصديق كامل الرواية. ففي المحصلة، المجرمون على نظرائهم يقعون.  

هل ستُحاكم إسرائيل حقًا؟

لكن المذهل في ذلك كله هو مدى نجاح إسرائيل في العمل كآلة قمعية أبوية متنكرة في شكل نموذج “للتقدم” الاجتماعي، مقابل الدول العربية “المتخلفة”.

ليست إسرائيل دولة إجرامية ترتكب إبادة جماعية علانية وحسب، فضلًا عن الاحتلال العسكري والتطهير العرقي لفلسطين منذ 75 عامًا. ولكنها كذلك برعت في حماية المعتدين جنسيًا على الطفلات/الأطفال، خصوصًا تعريضهن/م داخل الأراضي المحتلة لخطر الاعتداء الجنسي.

بل ذهبت أبعد من ذلك، لتصل إلى تلبية الهوس الجنسي بالطفلات/الأطفال بين الساسة والمشاهير الدوليين، ضمانًا لولائهم السياسي.

وكلّ ذلك عبر عمليات الاتجار بالجنس واستغلال القاصرات/القصّر، مثل عمليات إبستين.

ولا عجب أن هنالك ادعاءات ضد إسرائيل بأنها أنشأت أكبر بنك جلود في العالم من أجساد ضحايا الاحتلال في فلسطين، أو سرقت وتاجرت بأعضائهن/م البشرية. فالاتجار بالفتيات الصغيرات – كعملة سياسية – لخدمة أهدافها الصهيونية، يتماشى تمامًا مع لاأخلاقية السياسة الإسرائيلية.

ليس هناك من مثال أوضح على أن التحرر من الاحتلال هو في قلب النضال النسوي العالمي.

في معركة العقود الثمانية التي كانت فيها العين تقاوم المخرز، مَن سينتصر: داوود أم جالوت؟

وهل سنشهد أخيرًا إحقاقًا للعدالة في محكمة العدل الدولية، أم سيفلت قطيع الوحوش؟

حدد/ي على روزنامتك تاريخ بدء المحاكمة في 11 يناير/كانون الثاني!

 

كتابة: نادية أحمد

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد