الذكورية الإلكترونية.. كراهية النساء العلنية

يمكن اعتبار الذكورية الإلكترونية الشكل الأحدث للنظام الأبوي. فهذا النظام عرف عبر التاريخ تحولاتٍ كبرى. ساهمت في تشعبه وتطوره، كلما تطورت الوسائل التقنية التي أنتجها البشر.

ومن الملاحظ أنه كلما حاولت النساء تغيير السرديات العامة عنهن، يُقابلن بهجومٍ أشرس من سابقه.

فبالعودة مثلًا إلى التطورات التي عرفها الأدب والشعر، وإعادة استخدامهما من عدّة نساء للتعريف عن تجاربهن أو الاعتراض على واقعهن. تبيّن أن الأدوات نفسها، أعادت المنظومة الذكورية استخدامها لمواجهتهن.

وكان الحال مماثلًا مع التطور التقني وظهور الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي التي ساهمت في ظهور جيلٍ جديدٍ من الذكوريين/ات.

كان دور الإنترنت بارزًا في توسيع انتشار النسوية كتيارٍ سياسيٍ وإنتاجٍ معرفي. كما تزايدت أعداد النسويات بشكلٍ غير مسبوقٍ في تاريخ المنطقة الناطقة بالعربية.

هذه النقلة الجذرية في وعي النساء شكّلت تهديدًا كبيرًا للأبوية. بل وساهمت في إنتاج دولٍ كثيرة لمقاربات قمعية خطيرة ضد النسويات والناشطات السياسيات.

مهما ابتدع النظام الأبوي من أدواتٍ جديدةٍ وأنواع مختلفة من الذكورية، فإن النضالات النسوية قادرة على مواجهتها.

ما هي الذكورية الإلكترونية؟

تعتبر الذكورية الإلكترونية الشكل الأحدث من أدوات النظام الأبوي لمواصلة نهجه القمعي وتقويته. وتشير إلى السلوكات العنيفة المستخدمة من فرد أو عدة أفراد عبر الفضاءات الإلكترونية بهدف تهديد أمن النساء أو مطاردتهن.

كما أنها تدل على العنف الذي تقوم به مجموعة من الأفراد (رجال مطابقين للجندر غالبًا)، بهدف شيطنة وتشويه النسويات والعمل النسوي.

وتستخدم الذكورية الإلكترونية الحجج التقليدية للنظام الأبوي من تنميطٍ جندري، ووصم جنساني ضد النساء والنسويات والأقليات الجندرية.

لكنّها تستند أيضًا إلى الذكورية المعولمة. وهنا، نعني استيراد الخطابات الذكورية من أماكن متعددة من العالم بما فيها التيارات اليمينية بهدف الهجوم على النساء.

مجموعات مخصصة لممارسة الذكورية الإلكترونية

ينشط مستخدمي/ات الذكورية الإلكترونية عبر منصات التواصل الاجتماعي بشكلٍ فردي، أو ضمن مجموعات موجّهة لنشر كراهية النساء، واستهداف النسويات مثل ما أصبح يعرف بـ “التحاميل الحمراء”.

وهذا المصطلح يطلق على مجموعة من الذكوريين/ات الذين/اللواتي يتخذون/ن من الحسابات الوهمية سلاحًا لنشر كراهية النساء.

يتلطّون/ين خلف خطاب ذكوريّ ضحلٍ وفجّ. يستخدمون/ن حججًا واهيةً ومنطقًا ضعيفًا ينطلق من تفوق الرجال وقوتهم، وخضوع النساء.

تشكّل “التحاميل الحمراء” نموذجًا واضحًا لقيم النظام الأبوي. هذا الذي يختزل النساء باعتبارهن كيانًا خلق ليخدم الرجل، بوصفه “صاحب المكانة العالية”.

تتناقض هذه المجموعة الذكورية، وتتخبط، بين استخدام الدين لإثبات سلطة الرجال غير القابلة للنقاش، أو التضرّع بأساطير تلصق عنوةً بالعلم، لادعاء تفوقهم الجيني.

كما أن المجموعات التي ينشطون/ن فيها في فيسبوك وحسابات تويتر وانستغرام، يكثر فيها نشر أفكار فلاسفة ذكوريين كـنيتشه، وبعض وجوه الدجل الحديث، مثل جوردن بيترسون وأندرو تيت.

وتتمحور هذه الأفكار حول تطبيع العنف ضد النساء، ومهاجمة خياراتهن. ولم تسلم أيّة امرأة من عنفهم، حتى اللواتي يحاولن الانسجام مع الأدوار الجندرية.

لا يمكن إغفال حقيقة أن الهجوم الكبير للأبوية، هو نتيجة لنجاح النسوية في كسر الكثير من التنميطات الجندرية والتوعية بالعنف الأبوي.

السخرية والتحريض وثقافة الاغتصاب.. كيف يتشكّل العنف الذكوري؟

لا تملك الذكورية الإلكترونية أي قيم تجادل أو تحاور بها السرديات النسوية الداعية لتحطيم النظام الأبوي. لذلك تجنح نحو سلاح السخرية والتحريض ضد النسويات، مثل السخرية من أشكالهن أو أوضاعهن الاجتماعية.

وتأخذ هذه الأداة منحى الهوس. فتكاد لا تخلو الصفحات النسوية الرسمية أو الفردية من وجود تعليقات ذكورية من هذه المجموعات. والأخيرة تتخذ خطابًا موحّدًا يمجّد الرجال ويسخر من النساء.

كما أن التوجّه نحو التحريض يعدّ الخلطة الأنجح لاكتمال المهمة الذكورية “المقدسة”.

تنشط جماعات “التحاميل الحمراء” عبر مجموعات خاصة. تنطلق في وقتٍ واحدٍ كذبابٍ إلكترونيٍ، وتهاجم الحسابات النسوية أو تبلّغ عنها.

حيث واجهت النسويات في منصات مثل تويتر، هجمات ذكورية أدّت إلى تعطيل حساباتهنّ بسبب التبليغات، أو تهديدهن بحيواتهن الشخصية.

لا تتوقف السخرية والتحريض عند الاستهداف المباشر للنسويات، بل تتخطاه نحو هجومٍ عامٍ على النساء.

فتنتشر الأفكار الذكورية الأشد تطرّفًا، مثل السخرية من أيّة محاولة للنساء في الحياة. ويتجسّد ذلك في استهداف صانعات المحتوى على منصات “تيك توك” و”سناب شات”.

ويتم التحريض ضد النساء ونشر الخطابات العنيفة حول ضرورة منعهن من الظهور في المساحات العامة، أو استخدام السوشيال ميديا.

كما أن الذكورية الإلكترونية، كانت ولا تزال، السبب في نشر ثقافة الاغتصاب كمحتوى عابرٍ للحدود.

تعدّ ثقافة الاغتصاب، ووصم النساء جنسيًا، أحد أهم وأقوى أسلحة النظام الأبوي في تقويض تمرد النساء على قيودهن أو إخضاعهن.

يعتبر تهديد النسويات بالاغتصاب، أو تعييرهنّ به، من أكثر الخطابات انتشارًا على منصات التواصل الاجتماعي.

كما تنتشر الخطابات التي تسخر من ضحايا العنف الجنسي، وتصفهنّ بأوصاف وصميةٍ بشعةٍ وقاسية.

وقد تجسّد هذا العنف الإلكتروني واقعيًا، في عدّة مواضع. مثل استهداف صانعات المحتوى والاعتداء الجنسي عليهن، أو نشر مقاطع العنف الجنسي ضد النساء كعقاب لهن.

أو نشر المقاطع الخاصة والحميمية للنساء على الإنترنت ومواقع البالغات/ين كأفعالٍ انتقامية وابتزازية.

لماذا تعد الذكورية الإلكترونية محتوى ناجحًا؟

تنتشر مقاطع مصوّرة على يوتيوب وتيك توك وفيسبوك يظهر فيها شباب يتخذون من كراهية النساء محتوى لهم.

تبدأ هذه المقاطع عادة بوعظٍ ذكوري، وتحسّر على ضياع المجتمع وهويته. ثم يقوم مقدمها بالحديث عن النساء و”فسادهنّ ونشرهنّ للفتن”.

وعادةً ما تستهدف هذه المقاطع شخصيةً معينة، صانعة محتوى مثلًا. ليبدأ التحريض ضدها بلغةٍ ذكورية فجّة.

أو بصناعة مقاطع تحرّض على النسويات، وتشيطن النسوية. وذلك من خلال اللعب على العواطف الدينية والتقاليد الذكورية واتهامات التغريب.

تنتشر هذه المقاطع وتساهم في رفع مستوى العنف ضد النساء، والنسويات بشكلٍ خاصٍ، سواءً على الأرض أو في الفضاءات الإلكترونية.

ويعد سبب نجاحها، وانتشارها، وإقبال مزيد من الشباب عليها، هو تطبيع العنف ضد النساء عمومًا.

فمن المعتاد أن يجلس رجل ويهاجم امرأة كسرت القواعد الذكورية، أو تحدّت النظام الأبوي.

لهذا أصبحت الذكورية الإلكترونية الشكل الأنجح لصناعة المحتوى على الإنترنت، وحشد المشاهدات.

ولا يتوقف هذا على شباب غير معروف. بل شخصيات بمناصب أكاديمية وفنية وسياسية تتخذ من العنف وكراهية النساء ونشر التنميط الجندري أداواتٍ لجمع الرصيدين الاقتصادي والاجتماعي.

المقاومة النسوية مستمرة

تشكّل الفضاءات الإلكترونية، المساحة الأهم للنسويات من أجل العمل، وإنتاج المعرفة، والتضامن في مواجهة النظام الأبوي.

ومع حملات التحريض والعنف الإلكتروني، ونشر الشيطنة التي تفرّقهن عن الفئات الكبيرة من النساء، فقد خسرن الكثير من المساحات.

مع ذلك، لا يمكن إغفال حقيقة أن الهجوم الكبير للأبوية، هو نتيجة لنجاح النسوية في كسر الكثير من التنميطات الجندرية والتوعية بالعنف الأبوي.

وتتخذ العديد من النسويات السخرية المضادة من المجموعات الذكورية، كردٍّ متّسق مع ضحالة وهشاشة الأفكار التي تنشرها.

فمهما ابتدع النظام الأبوي من أدواتٍ جديدةٍ وأنواع مختلفة من الذكورية، أثبتت النضالات النسوية قدرتها على التحدي والمواجهة.

فالذكوريون ينطلقون من موقع جبنٍ يخشى خسارة السلطة وضياع الامتيازات. بينما تنطلق النسويات من صدقٍ نضالي يريد بناء عالمٍ أفضل وأكثر عدالة للجميع، بمن فيه أشدّ المعاديين/ات لوجوده.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد